responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 161
طَالِبَهَا مِنْ سَمَاعِهَا وَالْعِلْمِ بِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لِعَلِيٍّ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنَّا أَنْ يَأْتِيَ مُحَمَّدًا بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْأَجَلِ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ أَوْ لِحَاجَةٍ قُتِلَ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ الْآيَةَ. فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمُشْرِكِ لِلْأَمَانِ وَالْجِوَارِ يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ سَمَاعِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْحَاجَةَ فِي الرِّوَايَةِ لَا تَعْدُو غَرَضَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ لِقَاءَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا يَكُونُ إِلَّا لِذَلِكَ، أَيْ فَلَا يُجَابُ طَلَبُهُ إِنْ عُلِمَ أَنَّ الْحَاجَةَ دُنْيَوِيَّةٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَقَدْ كَانُوا يَطْلُبُونَ لِقَاءَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَجْلِ الْكَلَامِ فِي الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ أَنَّهُ غَايَةٌ أَوْ تَعْلِيلٌ لِلْإِجَارَةِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا وَحْدَهَا، وَأَنَّ الِاسْتِجَارَةَ عَلَى إِطْلَاقِهَا.
وَقَوْلُ أَبِي السُّعُودِ: إِنَّ تَعَلُّقَ الْإِجَارَةِ بِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ الِاسْتِجَارَةِ أَيْضًا بِذَلِكَ أَوْ بِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلَكِنْ مُحْتَمَلٌ إِذَا جَازَ أَنْ تَتَعَلَّقَ (حَتَّى) بِفِعْلَيِ الِاسْتِجَارَةِ وَالْإِجَارَةِ مَعًا، وَالَّذِي عَلَيْهِ النُّحَاةُ فِي بَابِ تَنَازُعِ الْعَامِلَيْنِ أَنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الثَّانِي، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ الْأَوَّلُ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى جَعْلِ (حَتَّى) لِلتَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُؤَمِّنَ مُشْرِكًا إِلَّا لِأَجْلِ سَمَاعِ كَلَامِ اللهِ، وَتَبْلِيغِهِ الدَّعْوَةَ بِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقُوَّادِ جُيُوشِهِمْ أَوْلَى وَأَجْدَرُ أَلَّا يَجِبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَعْنَاهَا أَنَّ الْمُسْتَجِيرَ يُجَارُ وَيُؤَمَّنُ مَهْمَا يَكُنْ غَرَضُهُ مِنَ الِاسْتِجَارَةِ، وَيَمْتَدُّ جِوَارُهُ إِلَى أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ، وَتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِهِ، فَيَكُونُ وُجُودُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فُرْصَةً لِتَبْلِيغِهِ دَعْوَتَهُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.
وَلَا يَأْبَى هَذَا الْمَعْنَى الْأَمْرُ بِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ، وَلَا يَظْهَرُ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْإِجَارَةِ وَالْأَمَانِ لِلْوُجُوبِ إِلَّا بِهَذَا الْقَصْدِ، وَفِيمَا عَدَاهُ يَكُونُ جَائِزًا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ. وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَايَةِ وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَيَيِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُؤَمِّنُ الرُّسُلَ الَّتِي تَرِدُ مِنْ قِبَلِ الْأَعْدَاءِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُجِيرُ مَنْ أَجَارَهُ أَيُّ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ، وَذَكَرَ مِنْ مَزَايَا الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ " تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ " كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْيِيدِ إِجَارَةِ مُسْتَجِيرِهِمْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ خَاصٌّ بِهِمْ، وَالْأَمْرَ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْسَعُ وَهُوَ كَمَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْأَمَانَ مِنَ الْفِقْهِ.
قَالَ الْعِمَادُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَالْغَرَضُ أَنَّ مَنْ قَدِمَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَدَاءِ رِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ طَلَبِ صُلْحٍ أَوْ مُهَادَنَةٍ أَوْ حَمْلِ جِزْيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست