responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 149
وَلَوْلَا هَذَا السِّيَاقُ لَوَجَبَ تَفْسِيرُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِالْأَرْبَعَةِ الَّتِي
كَانُوا يُحَرِّمُونَ فِيهَا الْقِتَالَ مِنْ قَبْلُ إِذَا لَمْ يَسْتَحِلُّوا شَيْئًا مِنْهَا بِالنَّسِيءِ، وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ 36 و37، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ: إِنَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا أَوِ الثَّلَاثَةُ الْمُتَوَالِيَةُ مِنْهَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ لِحُرِّيَّةِ السِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ هِيَ مِنْ شَوَّالٍ إِلَى الْمُحَرَّمِ. وَالتَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا وَهُنَاكَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ وَمُجَاهِدٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَكِنَّهُ اعْتَمَدَ قَبْلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ.
قَالَ تَعَالَى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ أَيْ: فَإِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ فِيهَا، فَاقْتُلُوهُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَجَدْتُمُوهُمْ فِيهِ مِنْ حِلٍّ وَحَرَمٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَادَتْ حَالَةُ حَرْبٍ كَمَا كَانَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ تَأْمِينُهُمْ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْحَةً مِنْكُمْ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا عَدَا أَرْضَ الْحَرَمِ فَهُوَ غَالِطٌ.
وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أَيْ: وَافْعَلُوا بِهِمْ كُلَّ مَا تَرَوْنَهُ مُوَافِقًا لِلْمَصْلِحَةِ مِنْ تَدَابِيرِ الْقِتَالِ وَشُئُونِ الْحَرْبِ الْمَعْهُودَةِ، وَأَهَمُّهَا وَأَشْهَرُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ: وَأَوَّلُهَا: أَخْذُهُمْ أُسَارَى، فَكَانُوا يُعَبِّرُونَ عَنِ الْأَسْرِ بِالْأَخْذِ وَيُسَمُّونَ الْأَسِيرَ (أَخِيذًا) وَالْأَخْذُ أَعَمُّ مِنَ الْأَسْرِ، فَإِنَّ مَعْنَى الثَّانِي الشَّدَّ بِالْأُسَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَالْأَسِيرُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هُوَ الْأَخِيذُ الَّذِي يُشَدُّ. وَقَدْ أُبِيحُ هُنَا الْأَسْرُ الَّذِي حُظِرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (8: 67) لِحُصُولِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِثْخَانُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَلَبِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّيَادَةِ، فَمَنْ يُسَمِّي مِثْلَ هَذَا نَسْخًا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنَ الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ أَوِ الْوَقْتِ أَوِ الْأَذَانِ.
وَالثَّانِي: الْحَصْرُ وَهُوَ حَبْسُ الْعَدُوِّ حَيْثُ يَعْتَصِمُونَ مِنْ مَعْقِلٍ وَحِصْنٍ، بِأَنْ يُحَاطَ بِهِمْ وَيُمْنَعُوا مِنَ الْخُرُوجِ وَالِانْفِلَاتِ إِذَا كَانَ فِي مُهَاجَمَتِهِمْ فِيهِ خَسَارَةٌ كَبِيرَةٌ،
فَاحْصُرُوهُمْ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، وَيَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِكُمْ بِشَرْطٍ تَرْضَوْنَهُ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَالثَّالِثُ: قُعُودُ الْمَرَاصِدِ أَيِ الرَّصْدِ الْعَامِّ، وَهُوَ مُرَاقَبَةُ الْعَدُوِّ بِالْقُعُودِ لَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ يُمْكِنُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِمْ، وَرُؤْيَةُ تَجْوَالِهِمْ وَتَقَلُّبِهِمْ فِي الْبِلَادِ مِنْهُ فَالْمَرْصَدُ اسْمُ مَكَانٍ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِطُرُقِ مَكَّةَ، وَالْفِجَاجِ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهَا لِئَلَّا يَعُودُوا إِلَيْهَا لِإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، أَوْ لِلشِّرْكِ فِي الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ فِيهِ عُرَاةً. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ، وَهَذَا أَهَمُّ أَفْرَادِهِ. وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِهَذَا التَّخْصِيصِ لَمْ يَذْكُرِ الْمَدِينَةَ وَهِيَ الْعَاصِمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا خَوْفَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ أَنْ عَجَزُوا عَنْهَا فِي عَهْدِ قُوَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست