responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 104
الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا نَزَلَ قَبْلَهَا وَأَكَّدَهُ فِيمَا نَزَلَ بَعْدَهَا كَآيَةِ الْأَحْزَابِ فِي مَعْنَاهَا، وَكَقَوْلِهِ بَعْدَ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ (3: 24) فَهُوَ قَدْ أَوْجَبَهُ فِي دِينِ الْفِطْرَةِ، كَمَا جَعَلَهُ مِنْ مُقْتَضَى غَرَائِزِ الْفِطْرَةِ، فَالْقَرِيبُ ذُو الرَّحِمِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِوَلَاءِ قَرِيبِهِ وَبِرِّهِ، وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَمْرِهِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ التَّوَارُثِ الْعَارِضِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُتَعَاقِدِينَ عَلَى أَنْ يَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ، وَإِذَا وُجِدَ
قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ يَسْتَحِقَّانِ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ فَالْقَرِيبُ مُقَدَّمٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (3: 36) وَقَالَ رَسُولُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا أَيْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ أُولِي الْأَلْبَابِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ الْمَكِّيَّةِ: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (13: 20، 21) الْآيَةَ. وَعَهْدُ اللهِ هُنَا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا عَهِدَهُ إِلَى الْبَشَرِ مِنَ التَّكَالِيفِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظِ الْعَهْدِ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ (36: 60) الْآيَتَيْنِ أَوْ بِلَفْظٍ آخَرَ - وَمِنْهُ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ (7: 27) وَأَمْثَالِهِ مِنَ النِّدَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَمِنَ الْوَصَايَا فِي السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا (الْأَنْعَامِ) كَمَا يَشْمَلُ مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْعَهْدِ أَوْ بِدُونِهِ، وَمَا يُعَاهِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ، وَمِنْهَا أَلَّا يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مُحَرَّمٍ. وَيَدْخُلُ فِي الْعَهْدِ الْعَامِّ مَا أَوْجَبُهُ مِنْ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَحُقُوقِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ صِفَةِ هَؤُلَاءِ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا. وَقَفَّى عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَهُوَ أَهَمُّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ مَنْ يَصِلُونَ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْمَدَنِيَّةِ: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (2: 27) وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّ الْعَهْدَ الْإِلَهِيَّ قِسْمَانِ: فِطْرِيٌّ خَلْقِيٌّ، وَدِينِيٌّ شَرْعِيٌّ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ هُوَ تَفْضِيلٌ لِوِلَايَتِهِمْ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مِنْ وِلَايَةِ الْإِيمَانِ وَوِلَايَةِ الْهِجْرَةِ فِي عَهْدِهَا، وَلَكِنْ فِي ضَمَانِ
دَائِرَتِهِمَا، فَالْقَرِيبُ أَوْلَى بِقَرِيبِهِ ذِي رَحِمِهِ الْمُؤْمِنَ الْمُهَاجَرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الْمُؤْمِنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا قَرِيبُهُ الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ مُحَارِبًا لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْكُفْرُ مَعَ الْقِتَالِ يَقْطَعَانِ لَهُ حُقُوقَ الرَّحِمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ (60: 1) الْآيَاتِ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست