responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 8
أَيُّهَا الْقَارِئُونَ لِهَذِهِ
الْفَاتِحَةِ بِوُجُوبِ فَهْمِ الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَبِأَنَّ فِقْهَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْسِيرِهِ لِمَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنْ مَلَكَةِ لُغَتِهِ وَذَوْقِ أَسَالِيبِهَا وَرَوْحِ بَلَاغَتِهَا، وَمِنْ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ وَسِيرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ فِقْهِهِ بِنَفْسِهِ.
إِنَّمَا يَفْهَمُ الْقُرْآنَ وَيَتَفَقَّهُ فِيهِ مَنْ كَانَ نُصْبَ عَيْنِهِ وَوِجْهَةَ قَلْبِهِ فِي تِلَاوَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَا بَيَّنَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ مَوْضُوعِ تَنْزِيلِهِ، وَفَائِدَةِ تَرْتِيلِهِ، وَحِكْمَةِ تَدَبُّرِهِ، مِنْ عَلَمٍ وَنُورٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ وَعِبْرَةٍ، وَخُشُوعٍ وَخَشْيَةٍ، وَسُنَنٍ فِي الْعَالَمِ مُطَّرِدَةٍ. فَتِلْكَ غَايَةُ إِنْذَارِهِ وَتَبْشِيرِهِ، وَيَلْزَمُهَا عَقْلًا وَفِطْرَةً تَقْوَى اللهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) .
كَانَ مِنْ سُوءِ حَظِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا كُتِبَ فِي التَّفْسِيرِ يَشْغَلُ قَارِئَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ الْعَالِيَةِ، وَالْهِدَايَةِ السَّامِيَةِ، فَمِنْهَا مَا يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ بِمَبَاحِثِ الْإِعْرَابِ وَقَوَاعِدِ النَّحْوِ، وَنُكَتِ الْمَعَانِي وَمُصْطَلَحَاتِ الْبَيَانِ، وَمِنْهَا مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِجَدَلِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَتَخْرِيجَاتِ الْأُصُولِيِّينَ، وَاسْتِنْبَاطَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، وَتَأْوِيلَاتِ الْمُتَصَوِّفِينَ، وَتَعَصُّبِ الْفِرَقِ وَالْمَذَاهِبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضُهَا يَلْفِتُهُ عَنْهُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ، وَمَا مُزِجَتْ بِهِ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَقَدْ زَادَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ صَارِفًا آخَرَ عَنِ الْقُرْآنِ هُوَ مَا يُورِدُهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِلَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، كَالْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ بِإِيرَادِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ هَذَا الْعَصْرِ وَفُنُونِهِ الْكَثِيرَةِ الْوَاسِعَةِ، فَهُوَ يَذْكُرُ فِيمَا يُسَمِّيهِ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فُصُولًا طَوِيلَةً بِمُنَاسَبَةِ كَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ عُلُومِ الْفَلَكِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، تَصُدُّ قَارِئَهَا عَمَّا أَنْزَلَ اللهُ لِأَجْلِهِ الْقُرْآنَ:
نَعَمْ إِنَّ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ مِنْ وَسَائِلِ فَهْمِ الْقُرْآنِ، فُنُونُ الْعَرَبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَاصْطِلَاحَاتُ الْأُصُولِ وَقَوَاعِدُهُ الْخَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ ضَرُورِيَّةٌ أَيْضًا، كَقَوَاعِدِ النَّحْوِ وَالْمَعَانِي، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْكَوْنِ وَسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ - كُلُّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فِي التَّفْسِيرِ فَمِنْهَا مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّ مَا صَحَّ مِنَ الْمَرْفُوعِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَلِيهِ مَا صَحَّ عَنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَوْ عَمَلِ عَصْرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا
وَذَاكَ قَلِيلٌ.
وَأَكْثَرُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ قَدْ سَرَى إِلَى الرُّوَاةِ مِنْ زَنَادِقَةِ الْيَهُودِ وَالْفُرْسِ وَمُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَجُلُّ ذَلِكَ فِي قَصَصِ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُتُبِهِمْ وَمُعْجِزَاتِهِمْ، وَفِي تَارِيخِ غَيْرِهِمْ كَأَصْحَابِ الْكَهْفِ وَمَدِينَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، وَسِحْرِ بَابِلَ وَعُوجِ ابْنِ عُنُقَ، وَفِي أُمُورِ الْغَيْبِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَقِيَامَتِهَا وَمَا يَكُونُ فِيهَا وَبَعْدَهَا، وَجُلُّ ذَلِكَ خُرَافَاتٌ وَمُفْتَرَيَاتٌ صَدَّقَهُمْ فِيهَا الرُّوَاةُ حَتَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 8
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست