responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 404
وَمَنَعَ الْجَهْلُ التَّقْلِيدَ الْمَانِعَ مِنَ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ جَمِيعًا، اللهُمَّ إِلَّا مُكَابَرَةَ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ، وَتَأْوِيلَ نُصُوصِ الشَّرْعِ، تَطْبِيقًا لَهُمَا عَلَى مَا يَقُولُ الْمُقَلَّدُونَ الْمُتَّبَعُونَ (بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ) وَقَدْ أَوَّلَ الْمُؤَوِّلُونَ نُصُوصَ أَدْيَانِهِمْ تَقْرِيرًا لِاتِّبَاعِ رُؤَسَائِهِمْ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى جَاهِهِمْ فِي الْآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ يُبَالِغُ فِي تَقْرِيرِ قَاعِدَةِ ارْتِبَاطِ السَّعَادَةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ وَتَبْيِينِهَا، وَنَفْيِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَنْ لَمْ يَتَأَسَّ بِهِمْ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَلِذَلِكَ أَعَادَ هَذِهِ الْآيَةَ بِنَصِّهَا فِي مَقَامِ مُحَاجَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُفْتَخِرِينَ بِسَلَفِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْعِظَامِ، الْمُعْتَمِدِينَ عَلَى شَفَاعَتِهِمْ وَجَاهِهِمْ وَإِنْ قَصَّرُوا عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الْأَعْمَالِ. وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ تَأْكِيدُ تَقْرِيرِ قَاعِدَةِ بِنَاءِ السَّعَادَةِ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْآبَاءِ وَالشُّفَعَاءِ، بِحَيْثُ لَا يَطْمَعُ فِي تَأْوِيلِ الْقَوْلِ طَامِعٌ، وَالْإِشْعَارُ بِمَعْنًى يُعْطِيهِ السِّيَاقُ هُنَا وَهُوَ: أَنَّ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ الْمُشَاغِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مُخَالِفَةٌ لِأَعْمَالِ سَلَفِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ.
وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْآيَةَ أَفَادَتْ فِي وَضْعِهَا الْأَوَّلِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ وَحَفَدَتَهُ، قَدْ مَضَوْا إِلَى رَبِّهِمْ بِسَلَامَةِ قُلُوبِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَانْقَطَعَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَتَنَكَّبَ طَرِيقَهُمْ، وَانْحَرَفَ عَنْ صِرَاطِهِمْ، وَإِنْ أَدْلَى إِلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ،
فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ، لَا يَنْفَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ عَمَلُ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَلُ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَا شَخْصُهُ بِالْأَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّهَا جَاءَتْ عَقِبَ بَيَانِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِيصَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِهَا، وَبَيَانِ دُرُوجِهِمْ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى الْقَوْمِ بِمَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الْخَيْرَ وَالْكَمَالَ، وَكَوْنُهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى هَذِهِ الْيَهُودِيَّةِ وَلَا هَذِهِ النَّصْرَانِيَّةِ اللَّتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَهُمْ، فَجَاءَتْ قَاعِدَةُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُتَخَالِفِينَ فِي الْأَعْمَالِ وَالْمَقَاصِدِ لَا يَكُونُونَ مُتَّحِدِينَ فِي الدِّينِ وَلَا مُتَسَاوِينَ فِي الْجَزَاءِ، فَأَفَادَتْ هُنَا مَا لَمْ تُفِدْهُ هُنَاكَ. وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ، وَيُحَكِّمُوا قَاعِدَةَ الْعَمَلِ وَالْجَزَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَلَفِهِمْ، وَلَا يَغْتَرُّوا بِالتَّسْمِيَةِ إِنْ كَانُوا يَعْقِلُونَ.
وَأَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ انْتِفَاعَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يَكُونُ بِمُقْتَضَى سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ شَرْعًا وَعَقْلًا: أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ عَالَمِ الْأَسْبَابِ إِلَى الْبَرْزَخِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا كَسْبَ فِيهَا، وَأَمْرُهَا إِلَى اللهِ وَحْدَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (82: 19)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 404
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست