responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 399
الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَنَقَصُوا مِنْهَا وَزَادُوا عَلَيْهَا مَا يُبْعِدُ كُلًّا مِنْهُمْ عَنِ الْآخَرِ، وَيَزِيدُ فِي عَدَاوَتِهِ وَبَغْضَائِهِ لَهُ، فَفَسَقُوا عَنْ مَقْصِدِ الدِّينِ مِنْ حَيْثُ يَدَّعُونَ الْعَمَلَ بِالدِّينِ، فَلَمَّا بَيَّنَ اللهُ لَنَا حَقِيقَةَ دِينِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا تَفْرِيقَ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ اتِّبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ ضَلُّوا عَنْهُ فَوَقَعُوا فِي الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، أَمَرَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِيْمَانِ الصَّحِيحِ بِاللهِ وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بِمِثْلِ مَا نُؤْمِنُ نَحْنُ بِهِ لَا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنِ ادِّعَاءِ حُلُولِ اللهِ فِي بَعْضِ الْبَشَرِ، وَكَوْنِ رَسُولِهِمْ إِلَهًا أَوِ ابْنَ اللهِ، وَمِنَ التَّفَرُّقِ وَالشِّقَاقِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِي بَعْضِ الرُّسُومِ وَالتَّقَالِيدِ، فَالَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي اللهِ لَيْسَ مِثْلَ الَّذِي نُؤْمِنُ بِهِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِالتَّنْزِيهِ، وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالتَّشْبِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسُ، فَلَوْ قَالَ: فَإِنْ آمَنُوا بِاللهِ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى أُولَئِكَ النَّبِيِّينَ وَمَا أُوتُوهُ، فَقَدِ اهْتَدَوْا لَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُجَادِلُونَا بِقَوْلِهِمْ: إِنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ دُونَكُمْ، وَلَفْظُ (مِثْلِ) هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ عِرْقَ الْجَدَلِ.
عَلَى أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْإِيْمَانِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ إِيْمَانُ أَحَدِهِمَا كَإِيْمَانِ الْآخَرِ فِي صِفَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَانْطِبَاقِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِهِ، وَمَا يَكُونُ فِي نَفْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ مُتَعَلِّقِ الْإِيْمَانِ يَكَادُ يَكُونُ مُحَالًا، فَكَيْفَ يَتَسَاوَى إِيْمَانُ أُمَمٍ وَشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ الْخِلَافِ الْعَظِيمِ فِي طُرُقِ التَّعْلِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ؟ وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ: فَإِنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ - كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الشَّوَاذِّ - لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّرَ الْمِثْلَ، فَكَيْفَ نَقُولُ وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ مِثْلِ مُتَوَاتِرًا: إِنَّهُ زَائِدٌ؟ .
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) أَيْ أَعْرَضُوا عَمَّا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى أَصْلِ دِينِ الْأَنْبِيَاءِ وَلُبَابِهِ بِإِيْمَانٍ كَإِيْمَانِكُمْ (فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) أَيْ إِنَّ أَمْرَهُمْ مَحْصُورٌ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْمُشَاقَّةِ، أَيِ الْإِيذَاءِ وَالْإِيقَاعِ فِي الْمَشَقَّةِ، أَوْ شَقِّ الْعَصَا بِتَحَرِّي الْخِلَافِ وَالتَّعَصُّبِ لِمَا يَفْصِلُهُمْ وَيُبَيِّنُهُمْ مِنْكُمْ (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أَيْ يَكْفِيكَ إِيذَاءَهُمْ وَمَكْرَهُمُ
السَّيِّئَ وَيُؤَيِّدُ دَعْوَتَكَ، وَيَنْصُرُ أُمَّتَكَ؛ فَهَذَا الْوَعْدُ بِالْكِفَايَةِ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ خَاصًّا، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ مَا شَاقُّوا النَّبِيَّ لِذَاتِهِ وَمَا كَانَ لَهُمْ حَظٌّ فِي مُقَاوَمَةِ شَخْصِهِ، فَالْإِيذَاءُ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَبِيٌّ يَدْعُو إِلَى دِينٍ غَيْرِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْجَزَ اللهُ وَعْدَهُ لِلنَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ عِنْدَمَا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِيْمَانِ وَكَانَ النَّاسُ يُقَاوِمُونَهُمْ لِأَجْلِهِ، فَلَمَّا انْحَرَفُوا مِنْ بَعْدِهِمْ عَنْهُ خَرَجُوا عَنِ الْوَعْدِ، وَلَوْ عَادَ لَعَادَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالْكِفَايَةِ وَالنَّصْرِ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (22: 40) .
(صِبْغَةَ اللهِ) أَيْ صُبِغْنَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صِبْغَةَ اللهِ وَفِطْرَتَهُ فُطِرْنَا عَلَيْهَا، وَهِيَ مَا صَبَغَ اللهُ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ، فَلَا دَخْلَ فِيهَا لِلتَّقَالِيدِ الْوَضْعِيَّةِ وَلَا لِآرَاءِ الرُّؤَسَاءِ وَأَهْوَاءِ الزُّعَمَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - بِلَا وَاسِطَةِ مُتَوَسِّطٍ وَلَا صُنْعِ صَانِعٍ، وَالصِّبْغَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ صِيغَةٌ لِلْهَيْئَةِ مِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ إِذَا لَوَّنَهُ بِلَوْنٍ خَاصٍّ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أَيْ لَا أَحْسَنَ مِنْ صِبْغَتِهِ فَهِيَ جِمَاعُ الْخَيْرِ الَّذِي يُؤَلِّفُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُزَكِّي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 399
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست