responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 396
ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِمُ الْوَثَنِيَّةُ فَأَخَذَتْهُمْ عَنْ عَقِيدَتِهِمْ وَأَنْسَتْهُمْ أَحْكَامَ مِلَّتِهِمْ وَأَعْمَالَهَا - نَسُوا بَعْضَهَا بِالْمَرَّةِ وَخَرَجُوا بِبَعْضٍ آخَرَ عَنْ أَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَالْحَجِّ، وَنَفْيُ الشِّرْكِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي آخِرِ الْآيَةِ احْتِرَاسٌ مِنْ وَهْمِ الْوَاهِمِينَ، وَتَكْذِيبٌ لِدَعْوَى الْمُدَّعِينَ.
أَقُولُ: لَا بِدْعَ أَنْ يَنْسَى الْأُمِّيُّونَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَرَجُوا بِدِينِهِمْ عَنْ وَضْعِهِ الْأَوَّلِ فَنَسُوا بَعْضًا وَحَرَّفُوا بَعْضًا، وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا مِنْهُ؛ فَالْيَهُودُ أَضَافُوا التِّلْمُودَ إِلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَسَمُّوا مَجْمُوعَ ذَلِكَ مَعَ تَفَاسِيرِهِ وَآرَاءِ أَحْبَارِهِمْ فِيهِ الْيَهُودِيَّةَ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَقَدْ ظَهَرَ دِينُهُمْ بِشَكْلٍ لَوْ رَآهُ الْحَوَارِيُّونَ الَّذِينَ أَخَذُوا الدِّينَ عَنِ الْمَسِيحِ مُبَاشَرَةً لَمَا عَرَفُوا أَيَّ دِينٍ هُوَ. وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حِفْظِ كِتَابِهِمْ فِي الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ يَعْمَلُونَ بِاسْمِ الدِّينِ أَعْمَالًا يَظُنُّهَا الْجَاهِلُونَ بِدِينِهِمْ أَعْظَمَ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَمَا هِيَ مِنَ الدِّينِ وَإِنَّمَا هِيَ بِدَعُ الْمُضِلِّينَ، فَالْإِفْرِنْجُ يَكْتُبُونَ فِي رِحَلَاتِهِمْ أَنَّ رَقْصَ الْمَوْلَوِيَّةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَنَّ مَا يَكُونُ فِي جَامِعِ الْقَلْعَةِ فِي لَيَالِي الْمَوْلِدِ وَالْمِعْرَاجِ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مِنَ الرَّقْصِ وَالْعَزْفِ بِالطُّبُولِ وَالدُّفُوفِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَهَمِّ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمُ (الصَّلَاةَ الْكُبْرَى) وَلَوْلَا أَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ وَسُنَّةُ الرَّسُولِ وَسِيرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مُدَوَّنَتَانِ فِي الْكُتُبِ لَنَسِينَا الْأَصْلَ وَاكْتَفَيْنَا بِهَذِهِ الْبِدَعِ، فَإِنَّ مِئَاتَ الْأُلُوفِ الَّتِي تَحُجُّ إِلَى مَشَاهِدِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْجِيلَانِيِّ بِالْعِرَاقِ، وَالْبَدَوِيِّ وَأَمْثَالِهِ بِمِصْرَ كُلَّ عَامٍ لَا يُقِيمُ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ مِنْهُمْ إِلَّا أَقَلُّهُمْ، وَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ أَخْشَعُ مِنْهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ أَرَادَ بَقَاءَ هَذَا الدِّينِ وَحِفْظَهُ وَسَيَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ الرَّاجِعُونَ، وَيَهْتَدِي بِهِ الْمُهْتَدُونَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُقَلِّدُونَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَنْقَشِعُ ظُلُمَاتُ هَذِهِ الْبِدَعِ الَّتِي هُمْ فِيهَا يَتَخَبَّطُونَ.
وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ (بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) . . . إِلَخْ جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِقْنَاعِ وَلَيْسَ حُجَّةً حَقِيقِيَّةً، وَوَجَّهُوهُ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُعَانِدُونَ الْحَقَّ وَيُكَابِرُونَ فِي مُعْجِزَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِأَنْ يُلْزِمَهُمْ بِالدَّلَائِلِ الْإِقْنَاعِيَّةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُكَابَرَتِهَا وَالْمِرَاءِ فِيهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ حُجَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى وَجْهِهَا الْوَجِيهِ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَقَدْ تَجَرَّأَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقُرْآنُ حَتَّى فِي إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ افْتِتَانُهُمْ بِالطَّرِيقَةِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي أَخَذُوهَا عَنْ كُتُبِ الْيُونَانِ، وَلَقَدِ اهْتَدَى بِحُجَجِ الْقُرْآنِ الْأُلُوفُ وَأُلُوفُ الْأُلُوفِ، وَقَلَّمَا اهْتَدَى بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ النَّظَرِيَّةِ الْمَحْضَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا تُفِيدُ فِي وُقُوعِ شُبُهَاتِهِمُ الَّتِي يُورِدُونَهَا عَلَى الْعَقَائِدِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهَا سِوَى الْمِرَاءِ وَالْجَدَلِ، وَقَدْ مُحِيَتْ فِي عَصْرِنَا تِلْكَ الشُّبُهَاتُ، وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ هَاتِيكَ النَّظَرِيَّاتِ، وَقَامَ بِنَاءُ الْعِلْمِ عَلَى أُسُسِ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمُجَرَّبَاتِ.
وَقَالَ (الْجَلَالُ) : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، فَهُمُ الْقَائِلُونَ مَا ذُكِرَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 396
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست