responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 39
(قَالَ) : وَأَنَا لَا أُجِيزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ: إِنَّ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةً تُغَايِرُ أُخْرَى، ثُمَّ تَأْتِي لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِ غَيْرِهَا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهَا مَعْنًى تَسْتَقِلُّ بِهِ. نَعَمْ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْكَلِمَةِ مَا يَزِيدُ مَعْنَى الْأُخْرَى تَقْرِيرًا أَوْ إِيضَاحًا، وَلَكِنَّ الَّذِي لَا أُجِيزُهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ هُوَ عَيْنُ مَعْنَى الْأُخْرَى بِدُونِ زِيَادَةٍ، ثُمَّ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ لَا غَيْرَ بِحَيْثُ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسَمَّى بِالْمُتَرَادِفِ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي كَلَامِ مَنْ يَرْمِي فِي لَفْظِهِ إِلَى مُجَرَّدِ التَّنْمِيقِ وَالتَّزْوِيقِ. وَفِي الْعَرَبِيَّةِ طُرُقٌ لِلتَّأْكِيدِ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَأَمَّا مَا يُسَمُّونَهُ بِالْحَرْفِ الزَّائِدِ الَّذِي يَأْتِي لِلتَّأْكِيدِ فَهُوَ حَرْفٌ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ هُوَ التَّأْكِيدُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ الَّتِي يُؤَكِّدُهَا، الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " (وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا " تُؤَكِّدُ مَعْنَى اتِّصَالِ الْكِفَايَةِ بِجَانِبِ
اللهِ جَلَّ شَأْنُهُ بِذَاتِهَا وَمَعْنَاهَا الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ. وَمَعْنَى وَصْفِهَا بِالزِّيَادَةِ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْإِعْرَابِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ. أَمَّا التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ التَّقْرِيعِ أَوِ التَّهْوِيلِ فَأَمْرٌ سَائِغٌ فِي أَبْلَغِ الْكَلَامِ عِنْدَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ الْقَصْدُ مِنْهُ كَتَكْرَارِ جُمْلَةِ " (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " وَنَحْوِهَا عَقِبَ ذِكْرِ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَهِيَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَيْسَتْ مُكَرَّرَةً، فَإِنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ نِعْمَةٍ: أَفَبِهَذِهِ النِّعْمَةِ تُكَذِّبَانِ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى " الرَّحْمَنِ " الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ، وَمَعْنَى " الرَّحِيمِ " الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِنِعَمٍ عَامَّةٍ تَشْمَلُ الْكَافِرِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ، وَالرَّحِيمَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالنِّعَمِ الْخَاصَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَكُلُّ هَذَا تَحَكُّمٌ فِي اللُّغَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى. وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا، فَصِفَةُ الرَّحْمَنِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْإِحْسَانِ الَّذِي يُعْطِيهِ سَوَاءٌ كَانَ جَلِيلًا أَوْ دَقِيقًا. وَأَمَّا كَوْنُ أَفْرَادِ الْإِحْسَانِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ الْأَكْثَرُ حُرُوفًا أَعْظَمَ مِنْ أَفْرَادِ الْإِحْسَانِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ الْأَقَلُّ حُرُوفًا فَهُوَ غَيْرُ مَعْنِيٍّ وَلَا مُرَادٍ. وَقَدْ قَارَبَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى الرَّحْمَنِ الْمُحْسِنُ بِالْإِحْسَانِ الْعَامِّ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي تَخْصِيصِ مَدْلُولِ الرَّحِيمِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلَعَلَّ الَّذِي حَمَلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الثَّانِيَ مُؤَكِّدٌ لِلْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ عَدَمُ الِاقْتِنَاعِ بِمَا قَالُوهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ مَعَ عَدَمِ التَّفَطُّنِ لِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّ صِيغَةَ " فَعْلَانَ " تَدُلُّ عَلَى وَصْفِ " فَعْلَى " فِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ كَفَعَّالٍ وَهُوَ فِي اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ لِلصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ كَعَطْشَانَ وَغَرْثَانَ وَغَضْبَانَ، وَأَمَّا صِيغَةُ فَعِيلٍ فَإِنَّهَا تَدُلُّ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمَعَانِي الثَّابِتَةِ كَالْأَخْلَاقِ وَالسَّجَايَا فِي النَّاسِ كَعَلِيمٍ وَحَكِيمٍ وَحَلِيمٍ وَجَمِيلٍ. وَالْقُرْآنُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْأُسْلُوبِ الْعَرَبِيِّ الْبَلِيغِ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ صِفَاتِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّتِي تَعْلُو عَنْ مُمَاثَلَةِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. فَلَفْظُ الرَّحْمَنِ يَدُلُّ عَلَى مَنْ تَصْدُرُ عَنْهُ آثَارُ الرَّحْمَةِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ إِفَاضَةُ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانُ، وَلَفْظُ الرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَأٍ هَذِهِ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست