responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 384
فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَإِلْصَاقِهَا بِهِ وَهُوَ بَرِئٌ مِنْهَا. وَمِنْ ذَلِكَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْكَعْبَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي زَمَنِ آدَمَ، وَوَصْفُهُمْ حَجَّ آدَمَ إِلَيْهَا وَتَعَارُفَهُ بِحَوَّاءَ فِي عَرَفَةَ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ ضَلَّتْ عَنْهُ بَعْدَ هُبُوطِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَحَاوَلُوا تَأْكِيدَ ذَلِكَ بِتَزْوِيرِ قَبْرٍ لَهَا فِي جُدَّةَ. وَزَعْمُهُمْ أَنَّهَا هَبَطَتْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا بِسَبَبِ الطُّوفَانِ وَحُلِّيَتْ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَأَنَّ هَذَا الْحَجَرَ كَانَ يَاقُوتَةً بَيْضَاءَ - وَقِيلَ: زُمُرُّدَةً - مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ أَوْ زُمُرُّدِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ مُودَعَةً فِي بَاطِنِ جَبَلِ أَبِي قَبِيسٍ فَتَمَخَّضَ الْجَبَلُ فَوَلَدَهَا، وَأَنَّ الْحَجَرَ إِنَّمَا اسْوَدَّ لِمُلَامَسَةِ النِّسَاءِ الْحُيَّضِ لَهُ، وَقِيلَ: لِاسْتِلَامِ الْمُذْنِبِينَ إِيَّاهُ، وَكُلُّ
هَذِهِ الرِّوَايَاتِ خُرَافَاتٌ إِسْرَائِيلِيَّةٌ بَثَّهَا زَنَادِقَةُ الْيَهُودِ فِي الْمُسْلِمِينَ لِيُشَوِّهُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَيُنَفِّرُوا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْهُ.
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : لَوْ كَانَ أُولَئِكَ الْقَصَّاصُونَ يَعْرِفُونَ الْمَاسَ لَقَالُوا: إِنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْهَجُ الْجَوَاهِرِ مَنْظَرًا وَأَكْثَرُهَا بَهَاءً، وَقَدْ أَرَادَ هَؤُلَاءِ أَنَّ يُزَيِّنُوا الدِّينَ وَيُرَقِّشُوهُ بِرِوَايَاتِهِمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهَا إِذَا رَاقَتْ لِلْبُلْهِ مِنَ الْعَامَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَرُوقُ لِأَهْلِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّرِيفَ - هَذَا الضَّرْبُ مِنَ الشَّرَفِ الْمَعْنَوِيِّ - هُوَ مَا شَرَّفَهُ اللهُ - تَعَالَى -، فَشَرَفُ هَذَا الْبَيْتِ إِنَّمَا هُوَ بِتَسْمِيَةِ اللهِ - تَعَالَى - إِيَّاهُ بَيْتَهُ، وَجَعْلِهِ مَوْضِعًا لِضُرُوبٍ مِنْ عِبَادَتِهِ لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَا بِكَوْنِ أَحْجَارِهِ تَفْضُلُ سَائِرَ الْأَحْجَارِ، وَلَا بِكَوْنِ مَوْقِعِهِ يَفْضُلُ سَائِرَ الْمَوَاقِعِ، وَلَا بِكَوْنِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا بِأَنَّهُ مِنْ عَالَمِ الضِّيَاءِ، وَكَذَلِكَ شَرَفُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَ لِمَزِيَّةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ وَلَا فِي مَلَابِسِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاصْطِفَاءِ اللهِ - تَعَالَى - إِيَّاهُمْ، وَتَخْصِيصِهِمْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الدُّنْيَا أَحْسَنَ زِينَةً وَأَكْثَرَ نِعْمَةً مِنْهُمْ.
وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمُشَيِّدُ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ - تَعَالَى - عَنْهُ - إِذْ قَالَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: ((أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ دَنَا فَقَبَّلَهُ)) رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ فَقَالَ: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ)) ثُمَّ قَبَّلَهُ. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَوَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ)) وَحَدِيثُ عُمَرَ يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْمَرْفُوعَةَ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ أَصَحُّ سَنَدًا، وَمَا رُوِيَ مِنْ مُرَاجَعَةِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ يُرْشِدُنَا إِلَى أَنَّ الْحَجَرَ لَا مَزِيَّةَ لَهُ فِي ذَاتِهِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّمَا اسْتِلَامُهُ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فِي مَعْنَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَجَعْلِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا تَوَجُّهًا إِلَى اللهِ الَّذِي لَا يُحَدِّدُهُ مَكَانٌ، وَلَا تَحْصُرُهُ جِهَةٌ مِنَ الْجِهَاتِ، عَلَى
أَنَّهُ قَدْ غُرِزَ فِي طَبَائِعِ الْبَشَرِ تَكْرِيمُ الْبُيُوتِ وَالْمَعَاهِدِ، وَالْآثَارِ وَالْمَشَاهِدِ الَّتِي تُنْسَبُ لِلْأَحْيَاءِ، أَوْ تُضَافُ إِلَى الْعُظَمَاءِ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 384
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست