responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 374
لِيَتَّخِذُوا دِينَهُمْ هُزُوًا، وَأَيُّ سَخَافَةٍ أَشَدُّ مِنْ سَخَافَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - ابْتَلَى نَبِيًّا مِنْ أَجْلِ الْأَنْبِيَاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِإِتْمَامِهَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالتَّمْهِيدِ لِجَعْلِهِ إِمَامًا لِلنَّاسِ وَأَصْلًا لِشَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ لَوْ كُلِّفَ بِهَا صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ لَسَهُلَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهَا وَلَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْرًا عَظِيمًا؟ وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُؤْخَذُ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ وَلَا يَنْبَغِي تَعْيِينُ الْمُرَادِ بِهِ إِلَّا بِنَصٍّ عَنِ الْمَعْصُومِ.
هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الدَّرْسِ وَهُوَ صَفْوَةُ الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ فِي سُورْيَا كِتَابًا عَقِبَ قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ فِي الْمَنَارِ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّ
تَفْسِيرَ الْكَلِمَاتِ بِخِصَالِ الْفِطْرَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فَكَيْفَ يُخَالِفُهُ فِيهِ؟ وَشَدَّدَ النَّكِيرَ فِي ذَلِكَ وَأَطْنَبَ فِي مَدْحِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيَّ الْأُسْتَاذُ كِتَابَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ: ((الشَّيْخُ رَشِيدٌ يُجِيبُ هَذَا الْحَيَوَانَ)) . . . فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ - وَكَانَ صَدِيقًا لِي - كِتَابًا لَطِيفًا كَانَ مِمَّا قُلْتُهُ فِيهِ عَلَى مَا أَتَذَكَّرُ: إِنَّنَا لَمْ نَرَ أَحَدًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْتَزَمَ مُوَافَقَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كُلِّ مَا يُرْوَى عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهُ عِنْدَهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَصِحَّ؟ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد عَبْده: إِنَّهُ يُجِلُّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُصَدِّقُهَا، وَلَمَّا كَانَتْ مِثْلُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَوِ الطَّعْنِ فِي أَيِّ عَالِمٍ بِأَنَّهُ خَالَفَ فُلَانًا الصَّحَابِيَّ أَوِ الْإِمَامَ فُلَانًا مِمَّا يَرُوجُ فِي سُوقِ الْعَوَامِّ، نَذْكُرُ هُنَا مَا قَالَهُ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي تَفْسِيرِ (الْكَلِمَاتِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ مُقِرًّا لَهُ، قَالَ هَذَا: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ الْمُرَادُ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، (قَالَ) : وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ وَلَا بِنَقْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ اهـ.
الْمُرَادُ مِنْهُ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا وَهَذِهِ الْحُجَّةُ يُدْلِي بِهَا ابْنُ جَرِيرٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَهِيَ الْحَقُّ.
ذَكَرَ - تَعَالَى - أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَتَمَّ الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّهُ - تَعَالَى - (قَالَ) لَهُ: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وَقَدْ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَمَّا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَمْ يَقُلْ: فَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ، لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِمَامَةَ بِمَحْضِ فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى - وَاصْطِفَائِهِ لَا بِسَبَبِ إِتْمَامِ الْكَلِمَاتِ، فَإِنَّ الْإِمَامَةَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الرِّسَالَةِ وَهِيَ لَا تُنَالُ بِكَسْبِ الْكَاسِبِ.
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِابْتِلَاءَ كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا فَائِدَةُ الِابْتِلَاءِ: فَهِيَ تَعْرِيفُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ جَدِيرٌ بِمَا اخْتَصَّهُ اللهُ بِهِ، وَتَقْوِيَةٌ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ إِمَامَتُهُ لِلنَّاسِ بِدَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ - وَكَانَتِ الْوَثَنِيَّةُ قَدْ عَمَّتْهُمْ وَأَحَاطَتْ بِهِمْ - فَقَامَ عَلَى عَهْدِهِ بِالْحَنِيفِيَّةِ وَهِيَ الْإِيْمَانُ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَإِثْبَاتُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 374
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست