responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 37
وَمَعْنَى الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُقَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآيَاتِ وَغَيْرِهَا هُوَ لِلَّهِ وَمِنْهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللهِ فِيهِ شَيْءٌ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا صَفْوَةُ مَا قَرَّرَهُ فِي مُتَعَلِّقِ " (بِسْمِ اللهِ " وَمَعْنَاهَا، وَهَاهُنَا نَظَرٌ آخَرُ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ وَحْيًا يُلْقِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ سُورَةٍ مِنْهُ مُبْتَدَأَةٌ بِبَسْمَلَةٍ، فَمُتَعَلِّقُ الْبَسْمَلَةِ مِنْ مَلَكِ الْوَحْيِ تَعَلَّمَ مَنْ أَوَّلِ آيَةٍ نَزَلَ بِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: " (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " فَمَعْنَى الْبَسْمَلَةِ الَّذِي كَانَ يَفْهَمُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رُوحِ الْوَحْيِ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ السُّورَةَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى عِبَادِهِ، أَيِ اقْرَأْهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ تَعَالَى لَا مِنْكَ، فَإِنَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِهِمْ أَنْزَلَهَا عَلَيْكَ لِتَهْدِيَهُمْ بِهَا إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَعَلَى هَذَا كَانَ يَقْصِدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُتَعَلِّقِ الْبَسْمَلَةِ أَنَّنِي أَقْرَأُ السُّورَةَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِاسْمِ اللهِ لَا بَاسِمِي، وَعَلَى أَنَّهَا مِنْهُ لَا مِنِّي، فَإِنَّمَا أَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (39: 12) . (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) (2: 92) إِلَخْ.
اخْتَصَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْكَلَامِ عَلَى لَفْظَ اسْمٍ وَلَفْظِ الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا مَشْهُورٌ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَهَاكَ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ الْعَظِيمِ:
لَفْظُ الْجَلَالَةِ (اللهُ) عَلَمٌ عَلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وُضِعَ مُعَرَّفًا، وَقِيلَ: أَصْلُهُ " إِلَهٌ " فَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْإِلَهُ، وَالْإِلَهُ فِي اللُّغَةِ: يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ، وَلِذَلِكَ جَمَعُوهُ عَلَى آلِهَةٍ، وَمَا كُلُّ مَعْبُودٍ سَمَّوْهُ إِلَهًا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ (اللهِ) فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ الْكَرِيمَ كَانَ خَاصًّا فِي لُغَتِهِمْ بِخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكُلِّ شَيْءٍ. فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ خَصَّصَهُ بِالْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْكَامِلِ، كَمَا جَعَلُوا لَفْظَ " النَّجْمِ " بِالتَّعْرِيفِ خَاصًّا بِالثُّرَيَّا. فَكَانَ الْعَرَبِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا سُئِلَ مَنْ خَلَقَكَ أَوْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ يَقُولُ: " اللهُ " وَإِذَا سُئِلَ عَنْ بَعْضِ
آلِهَتِهِمْ: هَلْ خَلَقَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ؟ يَقُولُ: " لَا " وَقَدِ احْتَجَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ. وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى اللهِ وَيَعْتَقِدُونَ شَفَاعَتَهَا عِنْدَهُ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ لَفْظَ " إِلَهٍ " مِنْ أَلِهَ بِمَعْنَى عَبَدَ فَهُوَ بِمَعْنَى مَعْبُودٍ كَكِتَابٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ، يُقَالُ: أَلِهٌ يَأْلَهُ إِلَاهَةً وَأُلُوهَةً وَأُلُوهِيَّةً، كَمَا يُقَالُ عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً وَعُبُودَةً وَعُبُودِيَّةً فَهُوَ صِفَةٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَلِهَ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ، وَقِيلَ: مِنْ وَلِهَ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ. وَهُوَ إِذَا اسْتَشْكَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ - لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَيْرَةِ - يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَبَبُ الْحَيْرَةِ. لِأَنَّ النَّاظِرِينَ إِذَا ارْتَقَوْا فِي سُلَّمِ أَسْبَابِ التَّكْوِينِ يَنْتَهُونَ عِنْدَ دَرَجَةِ الْحَيْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُوجِدِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ لَا بِسَبَبٍ وَلَا عِلَّةٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ، وَبِهِ وُجِدَ كُلُّ مَا عَدَاهُ، لَا يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولَ إِلَى حَقِيقَةِ هَذَا الْمَوْجُودِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ وُجُودُ هَذِهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست