responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 359
وَالْمَعَاهِدِ، وَلَا تَنْحَصِرُ عِبَادَتُهُ فِي الْهَيَاكِلِ وَالْمَسَاجِدِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْوَعِيدُ لِانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللهِ وَإِبْطَالِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عِبَادَتِهِ، وَهُوَ الْعِبَادَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فِي أَشْرَفِ الْمَعَاهِدِ عَلَى خَيْرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ وَتُهَذِّبُ أَخْلَاقَهُمْ.
وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْبَيَانِ مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ، فَإِنَّكَ لَتَرَى فِيهِ فُنُونًا مِنَ الِاسْتِدْرَاكِ وَالِاحْتِرَاسِ قَدْ جَاءَتْ فِي خِلَالِ الْقَصَصِ وَسِيَاقِ الْأَحْكَامِ، تَقْرَأُ الْآيَةَ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ عِظَةٍ مِنَ الْمَوَاعِظِ، أَوْ وَاقِعَةٍ تَارِيخِيَّةٍ فِيهَا عِبْرَةٌ مِنَ الْعِبَرِ، فَتَرَاهَا مُسْتَقِلَّةً بِالْبَيَانِ، وَلَكِنَّهَا بِاتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا قَدْ أَزَالَتْ وَهْمًا أَوْ تَمَّمَتْ حُكْمًا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقْتَبِسُوا هَذِهِ الضُّرُوبَ مِنَ الْبَيَانِ، وَيَتَوَسَّعُوا بِهَا فِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أَطْلَقَ لَهُمُ اللُّغَةَ مِنْ عِقَالِهَا، وَعَلَّمَهُمْ مِنَ الْأَسَالِيبِ الرَّفِيعَةِ مَا كَانَتْ تَسْتَحْلِيهِ أَذْوَاقُهُمْ، وَتَنْفَعِلُ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَتَهْتَزُّ لَهُ نُفُوسُهُمْ، وَتَتَحَرَّكُ بِهِ أَرْيَحِيَّتُهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُوَفَّقُوا لِاقْتِبَاسِ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ
الْجَدِيدَةِ، عَلَى أَنَّ مَلَكَتَهُمْ فِي حُسْنِ الْبَيَانِ، قَدِ ارْتَفَعَتْ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : وَسَنُعْطِي هَذَا الْمَوْضُوعَ حَقَّهُ مِنَ الْبَيَانِ فِي مَوْضِعٍ تَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ.
ثُمَّ عَادَ الْكِتَابُ إِلَى النَّسَقِ السَّابِقِ فِي تَعْدَادِ مَخَازِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ بَعْدَمَا ذَكَرَ مِنْ وَعِيدِ مَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ مَا ذَكَرَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ بَعِيدٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا) ، فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) (2: 111) وَقَوْلِهِ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ) (2: 113) . . . إِلَخْ، وَيَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ هَذَا إِلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ جَمِيعًا. وَإِلَى فِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ. وَوَجْهُ الْعُمُومِ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَخْبَرَنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ بِأَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ، وَأَنَّ النَّصَارَى قَالَتِ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ. وَلَا فَرْقَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تُسْنَدُ إِلَى الْأُمَمِ بَيْنَ كَوْنِهَا صَدَرَتْ مِنْ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ أَوْ صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِسْنَادِ مُنْبِئٌ بِتَكَافُلِ الْأُمَمِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ كَلِمَةَ ((عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)) قَالَهَا بَعْضُ الْيَهُودِ لَا كُلُّهُمْ.، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ بَنَاتِ اللهِ لَمْ يَكُنْ عَامًّا فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا عُرِفَ عَنْ بَعْضِهِمْ. ثُمَّ رَدَّ عَلَى مُدَّعِي اتِّخَاذِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ: (سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) نَزَّهَ - تَعَالَى - نَفْسَهُ بِكَلِمَةِ (سُبْحَانَهُ) الَّتِي تُفِيدُ التَّنْزِيهَ، مَعَ التَّعَجُّبِ مِمَّا يُنَافِيهِ، كَأَنَّ الَّذِي يَعْرِفُهُ - تَعَالَى - لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ - تَعَالَى - جِنْسًا يُمَاثِلُهُ، فَإِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى عِلْمٍ بِاللهِ - تَعَالَى -، وَإِنَّمَا يَكُونُ زَاعِمًا فِيهِ الْمَزَاعِمَ وَظَانًّا فِيهِ الظُّنُونَ، أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ الظَّانُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ لَا جِنْسَ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُ، وَهَذَا الْوَلَدُ الَّذِي نَسَبُوهُ إِلَيْهِ
-

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 359
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست