responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 353
وَالِاعْتِقَادَاتُ الْخَيَالِيَّةُ الَّتِي لَا تَنْطَبِقُ عَلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ لَا تُسَمَّى شَيْئًا، فَكَفَرُوا بِعِيسَى وَهُمْ يَتْلُونَ التَّوْرَاةَ الَّتِي تُبَشِّرُ بِهِ، وَتَذْكُرُ مِنَ الْعَلَامَاتِ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، وَلَا تَزَالُ الْيَهُودُ إِلَى الْيَوْمِ تَدَّعِي أَنَّ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ لَمَّا يَأْتِ، وَتَنْتَظِرُ ظُهُورَهُ وَإِعَادَتَهُ الْمُلْكَ إِلَى شَعْبِ إِسْرَائِيلَ (وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ) مِنَ الدِّينِ حَقِيقِيٍّ يُعْتَدُّ بِهِ لِإِنْكَارِهِمُ الْمَسِيحَ الْمُتَمِّمَ لِشَرِيعَتِهِمْ، يَقُولُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) أَيْ يَتْلُو كُلٌّ مِنْهُمْ كِتَابَهُ، فَكِتَابُ الْأَوَّلِينَ (التَّوْرَاةُ) يُبَشِّرُ بِرَسُولٍ مِنْهُمْ ظَهَرَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكِتَابِهِمْ، وَكِتَابُ الْآخِرِينَ (الْإِنْجِيلُ) يَقُولُ بِلِسَانِ الْمَسِيحِ: إِنَّهُ جَاءَ مُتَمِّمًا لِنَامُوسِ مُوسَى، لَا نَاقِضًا لَهُ، وَهُمْ قَدْ نَقَضُوهُ، فَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، تَرَكَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَهُ، وَبَعْضُهُمْ آخِرَهُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ كُلِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَالْكِتَابُ الَّذِي يَقْرَءُونَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: (كَذَلِكَ) أَيْ نَحْوَ ذَلِكَ السُّخْفِ وَالْجُزَافِ (قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ، تَعَصَّبَ كُلٌّ لِمِلَّتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا جِنْسِيَّةً، وَزَعَمَ أَنَّهَا هِيَ الْمُنْجِيَةُ لِكُلِّ مَنْ وُسِمَ بِهَا وَرَضِيَ بِاسْمِهَا وَلَقَبِهَا، وَالْحَقُّ وَرَاءَ جَمِيعِ الْمَزَاعِمِ لَا يَتَقَيَّدُ بِأَسْمَاءٍ وَلَا أَلْقَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِيْمَانٌ خَالِصٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ، وَلَوِ اهْتَدَى النَّاسُ إِلَى هَذَا لَمَا تَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ وَاخْتَلَفُوا فِي أُصُولِهِ وَلَكِنَّهُمْ تَعَصَّبُوا وَتَحَزَّبُوا لِأَهْوَائِهِمْ، فَتَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي آرَائِهِمْ (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، فَإِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بِمَا عَلَيْهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ. وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا - تَعَالَى - هُنَا بِمَاذَا يَحْكُمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ يُكَذِّبُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يُلْقِيهِمْ فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ يُحِقُّ الْحَقَّ وَيَجْعَلُ أَهْلَهُ فِي النَّعِيمِ، وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ وَيُلْقِي بِأَهْلِهِ فِي الْجَحِيمِ.
هَذَا هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ. وَيُرْوَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ تَمَارَوْا مَعَ وَفْدِ نَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَا قَالَ فِي إِنْكَارِ حَقِيقَةِ دِينِ
الْآخَرِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ فَهْمَ الْآيَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَالْآيَةُ تَحْكِي لَنَا اعْتِقَادَ كُلِّ طَائِفَةٍ بِالْأُخْرَى سَوَاءً قَالَ ذَلِكَ مَنْ ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ. عَلَى أَنَّ مَا يُرْوَى فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ تَارِيخِ الْآيَاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْوَقَائِعِ، وَمَا رُوِيَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عِنْدَنَا غَيْرُ كَافٍ فِي ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لَنَا مِنَ الْبَحْثِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى تَارِيخِ الْمِلَلِ وَالْأُمَمِ الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا الْقُرْآنُ؛ لِأَجْلِ أَنْ نَفْهَمَهُ تَمَامَ الْفَهْمِ وَنَعْرِفَ مَا يَحْكِيهِ عَنْهُمْ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالشُّئُونِ وَالْأَعْمَالِ، هَلْ كَانَ عَامًّا فِيهِمْ أَوْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَأُسْنِدَ إِلَى الْأُمَّةِ لِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِرَارًا مِنْ إِرَادَةِ تَكَافُلِهَا، وَمُؤَاخَذَةِ الْجَمِيعِ بِمَا يَصْدُرُ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّهُمْ كُلِّفُوا إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ وَالتَّنَاهِيَ عَنْهُ؟
وَالْعِبْرَةُ فِي الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي تَضْلِيلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَاعْتِقَادِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْآخَرِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ حَقِيقِيٍّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، مَعَ أَنَّ كِتَابَ الْيَهُودِ أَصْلٌ لِكِتَابِ النَّصَارَى،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 353
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست