responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 352
(وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَحْزَانَ تُسَاوِرُ الَّذِينَ لَبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمِ الْوَثَنِيَّةِ، وَأَسَاءُوا أَعْمَالَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْهِدَايَةِ الدِّينِيَّةِ.
تَرَى أَصْحَابَ النَّزَغَاتِ الْوَثَنِيَّةِ فِي خَوْفٍ دَائِمٍ مِمَّا لَا يُخِيفُ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ
بِثُبُوتِ السُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ الْقَاهِرَةِ لِكُلِّ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْهُ عَمَلٌ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى سَبَبِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ تَأْوِيلَهُ، يَسْتَخْذُونَ لِلدَّجَّالِينَ وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَيَرْتَعِدُونَ مِنْ حَوَادِثِ الطَّبِيعَةِ الْغَرِيبَةِ، إِذَا لَاحَ لَهُمْ نَجْمٌ مُذَنَّبٌ تَخَيَّلُوا أَنَّهُ مُنْذِرٌ يُهَدِّدُهُمْ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْفَسَادِ تَوَهَّمُوا أَنَّهَا مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ الْعِبَادِ، وَتَرَاهُمْ فِي جَزَعٍ وَهَلَعٍ مِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ، وَنُزُولِ الْكَوَارِثِ، لَا يَصْبِرُونَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَلَا يُنْفِقُونَ فِي الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) (70: 19 - 23) هَذِهِ حَالُ مَنْ فَقَدَ التَّوْحِيدَ الْخَالِصَ وَحُرِمَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ) (41: 16) وَإِنَّمَا كَانَ صَاحِبُ النَّزَغَاتِ الْوَثَنِيَّةِ فِي خَوْفٍ مِمَّا يَسْتَقْبِلُهُ، وَحُزْنٍ مِمَّا يَنْزِلُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا اخْتَرَعَهُ لَهُ وَهْمُهُ مِنَ السُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ الَّتِي يُحَكِّمُهَا فِي نَفْسِهِ، وَيَجْعَلُهَا حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الشَّدَائِدِ عَلَيْهَا، وَلَا يَجِدُ عِنْدَهَا غَنَاءً إِذَا هُوَ لَجَأَ إِلَيْهَا، وَمَا هُوَ مِنْ سُلْطَتِهَا عَلَى يَقِينٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الظَّانِّينَ أَوِ الْوَاهِمِينَ.
وَأَمَّا ذُو التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللهُ - تَعَالَى -، وَأَنَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ قَدْ هَدَى الْإِنْسَانَ إِلَى السُّنَنِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا فِي أَفْعَالِهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ، بَحَثَ فِي سَبَبِهِ وَاجْتَهَدَ فِي تَلَافِيهِ مِنَ السُّنَّةِ الَّتِي سَنَّهَا اللهُ - تَعَالَى - لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَا مَرَدَّ لَهُ، سَلَّمَ أَمْرَهُ فِيهِ إِلَى الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ، فَلَا يَحَارُ وَلَا يَضْطَرِبُ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، وَالْقُوَّةَ الَّتِي يَلْجَأُ إِلَيْهَا كَبِيرَةٌ لَا يُعْجِزُهَا شَيْءٌ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ سَبَبُ الْحُزْنِ أَوْ عَرَضَ لَهُ مُقْتَضَى الْخَوْفِ لَا يَكُونُ أَثَرُهُمَا إِلَّا كَمَا يُطِيفُ الْخَاطِرُ بِالْبَالِ، وَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ الزَّوَالُ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (13: 28) فَكَأَنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ: لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْأَمَانِيُّ وَلَا يَخْدَعَنَّكُمُ الِانْتِسَابُ الْبَاطِلُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَهَذِهِ هِيَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، أَسْلِمُوا وُجُوهَكُمْ لِلَّهِ تَسْلَمُوا، وَاعْمَلُوا الصَّالِحَاتِ تُؤْجَرُوا، وَقَدْ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: (فَلَهُ أَجْرُهُ) مُرَاعَاةً لِلَفْظِ (مَنْ) ، وَجَمَعَهُ فِي قَوْلِهِ: (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) . . . إِلَخْ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهَا.
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَزْكِيَةَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَفْسَهُ، وَحُكْمَهُ بِحِرْمَانِ غَيْرِهِ
مِنْ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَمَا كَانَتْ حَالُهُ ذَكَرَ طَعْنَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ خَاصَّةً فَقَالَ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ) مِنَ الدِّينِ حَقِيقِيٍّ يُعْتَدُّ بِهِ، فَالشَّيْءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُتَحَقِّقُ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 352
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست