responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 317
مِنَ الْغَضَبِ وَالْهَوَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ اعْتِذَارًا آخَرَ لَهُمْ مَقْرُونًا بِالرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِهِ فَقَالَ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) صِيغَةُ الدَّعْوَةِ تُشْعِرُ بِوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ لَا لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَيْهِ فَلَانٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: آمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ؛ فَإِنَّ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَوْ أُنْزِلَ عَلَى غَيْرِهِ لَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ، فَإِنَّ الْوَحْيَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَالْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا هُمْ مُبَلِّغُونَ، فَتَقْيِيدُ الْخُضُوعِ لِوَحْيِ اللهِ بِكَوْنِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّلًا عَلَى شَخْصٍ مِنْ شَعْبِ كَذَا بِعَيْنِهِ تَحَكُّمٌ عَلَى اللهِ - تَعَالَى - وَقَضَاءٌ عَلَيْهِ بِأَنْ تَكُونَ رَحْمَتُهُ مُقَيَّدَةً بِأَهْوَاءِ فَرِيقٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِيرَادُ الدَّعْوَةِ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْإِطْلَاقِ مَعَ إِيرَادِ الْجَوَابِ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ (نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) يُشْعِرُ بِقُوَّةِ حُجَّةِ الدَّعْوَةِ، وَوَهَنِ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ مِنَ الشُّبْهَةِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِالْحَقِيقَةِ وَهِيَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَدَّعُونَ هَذَا الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِمْ (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) مِنْ مَدْلُولٍ وَلَازِمٍ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، كَالْبِشَارَةِ بِرَسُولٍ مِنْ بَنِي إِخْوَتِهِمْ أَيْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكَوْنِ مَا تَثْبُتُ بِهِ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ بِمُسَاوَاتِهِ لِمَا تَثْبُتُ بِهِ نُبُوَّةُ مُوسَى يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ كَمَا اتُّبِعَ مُوسَى؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ يَتْبَعُ دَلِيلَهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَكُلِّ مَوْضُوعٍ، قَالَ: إِنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَ الْمَنَزَّلِ إِلَيْهِمْ (وَهُوَ الْحَقُّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي نَفْسِهِ بِالدَّلِيلِ حَالَ كَوْنِهِ (مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) ، فَهُوَ مُؤَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ مُكَابَرَتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ مَا كَانَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا إِلْزَامُهُمُ الْحُجَّةَ بِمَا اقْتَرَفُوا مِنْ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، وَالْفُسُوقِ عَنْهُ لِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَيُحَكِّمُونَ شَهَوَاتِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ قَالَ: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ فِيهِ النَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ قَتْلِ أَنْفُسِكُمْ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ أَوِ الْبَلَاغَةِ: أَنَّهُ جَاءَ بِالْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا كَفَرُوا بِهِ هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْحَالِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ ثُبُوتِ مَضْمُونِهَا عَلَى حُدُوثِ مَا جُعِلَتْ قَيْدًا لَهُ، وَمَا كَفَرُوا بِهِ كَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ قَبْلِ كُفْرِهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى لِلْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ
هُوَ مَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ، وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهِ شَيْخُنَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ قَدْ قَرَأَ دَلَائِلَ الْإِعْجَازِ، وَقَوْلُهُ: (مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) حَالٌ مُفْرَدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمُقَارَنَةُ لِمَا هِيَ قَيْدٌ لَهُ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ كُفْرِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ بِالتَّبَعِ لِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُصَدِّقِ لَهَا، وَلَوْ فِيمَا صَدَّقَهَا فِيهِ، وَالْكُفْرُ بِبَعْضِهِ كَالْكُفْرِ بِهِ كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا. وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ أَيْضًا: وَضْعُ الْمُضَارِعِ (تَقْتُلُونَ) مَوْضِعَ الْمَاضِي (قَتَلْتُمْ) لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ هَذَا الْجُرْمِ الْفَظِيعِ مُبَالَغَةً فِي التَّقْرِيعِ، وَإِغْرَاقًا فِي التَّشْنِيعِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ تَدُلُّ عَلَى الْحَالِ، فَتُوهِمُ أَنَّ الَّذِينَ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ كَانُوا لَا يَزَالُونَ يَقْتَرِفُونَ هَذِهِ الْجَرِيمَةَ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 317
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست