responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 312
وَهُوَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا وَمَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) (42: 52) الْآيَةِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ رُوحُ الْقُدُسِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مُقَدَّسٌ، أَوْ لِأَنَّهُ يُقَدِّسُ النُّفُوسَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ " الرُّوحُ الْأَمِينُ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ الْمُوحَى إِلَيْهِ يَكُونُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ فِيهِ
يَأْمَنُ مَعَهَا التَّلْبِيسَ فِيمَا يُلْقَى إِلَيْهِ، قَالَ - تَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (26: 193، 194) .
(ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ) : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْمَلَكُ الْمُسَمَّى بِجِبْرِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْهُ يَسْتَمِدُّونَ الشَّرَائِعَ عَنِ اللهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ " حَاتِمُ الْجُودِ "، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا رُوحُ عِيسَى نَفْسِهِ، وَوَصْفُهَا بِالْقَدَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ بِمَعْنَى إِعَاذَتِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَظٌّ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلُ بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تُقَدِّسُ النُّفُوسَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ هُوَ الْإِنْجِيلُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عِيسَى بَعْدَ ظُهُورِ رُسُلٍ كَثِيرِينَ فِيهِمْ بَعْدَ مُوسَى، وَأَعْطَاهُ مَا لَمْ يُعْطِ كُلَّ رَسُولٍ مِنْ أُولَئِكَ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ مِنْ قُوَّةِ الرُّوحِ، وَزَكَاءِ النَّفْسِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَنَسْخِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ كَانَ حَظُّهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَحَظِّ سَابِقِيهِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْتَوْا مِنَ الْمَوَاهِبِ مِثْلُ مَا أُوتِيَ.
مَاذَا كَانَ حَظُّ أُولَئِكَ الرُّسُلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانَ حَظُّهُمْ مِنْهُمْ مَا أَفَادَهُ الِاسْتِفْهَامُ التَّوْبِيخِيُّ فِي قَوْلِهِ: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) ، فَاتَّبَعْتُمُ الْهَوَى وَأَطَعْتُمُ الشَّهَوَاتِ، وَعَصَيْتُمُ الرُّسُلَ وَاحْتَمَيْتُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْذَرُوكُمْ وَدَعَوْكُمْ إِلَى أَحْكَامِ كِتَابِكُمْ، (فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) كَانَ الْمَعْهُودُ فِي التَّخَاطُبِ وَكَلَامِ النَّاسِ أَنَّ تُذْكَرَ هَذِهِ الْمَسَاوِئُ ثُمَّ يُوَبَّخُونَ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ طَوَاهَا فِي الْخِطَابِ وَأَدْمَجَهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ لِتُفَاجِئَ النُّفُوسَ بِقُوَّةِ التَّشْنِيعِ وَالتَّقْبِيحِ، وَتَبْرُزَ لَهَا فِي ثَوْبِ الْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ، وَفِي ذَلِكَ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ السُّوءَى مِمَّا لَا يَخْفَى خَبَرُهَا، وَلَا تَغِيبُ عَنِ الْإِنْكَارِ صُوَرُهَا، فَلَا يَنْبَغِي الْإِلْمَاعُ إِلَيْهَا إِلَّا فِي سِيَاقِ تَقْرِيعِ مُجْتَرِحِيهَا، وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِكْرُ الْإِنْسَانِ، وَانْظُرْ كَيْفَ أَوْرَدَ خَبَرَ الْقَتْلِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْحَالِ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الصُّورَةِ الْفَظِيعَةِ، وَتَمْثِيلِهَا لِلسَّامِعِ حَتَّى يُمَثِّلَهَا فِي الْخَيَالِ، وَإِنْ مَرَّتْ عَلَيْهَا الْقُرُونُ وَالْأَحْوَالُ؛ لِأَنَّهَا أَفَاعِيلٌ لَا تَخْلَقُ جِدَّتُهَا، وَدِمَاءٌ لَا تَطِيرُ رَغْوَتُهَا، وَإِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْبِيرِ لِيُمَثِّلُ
تِلْكَ الصُّورَةَ الْمُشَوَّهَةَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ إِذَا قَرَعَتِ الذِّهْنَ بِمَفْهُومِهَا، يَتَنَاوَلُ الْخَيَالُ ذَلِكَ الْمَفْهُومَ وَيُصَوِّرُهُ بِالصُّورَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ، فَيَكُونُ لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ مَا يُنَاسِبُهُ.
قَتَلُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَيُرْوَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ نَبِيًّا، فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَالْمُرَادُ بِأُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ كَانَتْ نُبُوَّتُهُمْ مَحْصُورَةً فِي الدَّعْوَةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 312
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست