responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 31
التَّوْحِيدُ أَهَمُّ مَا جَاءَ لِأَجْلِهِ الدِّينُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتَفِ فِي الْفَاتِحَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بَلِ اسْتَكْمَلَهُ بِقَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فَاجْتَثَّ بِذَلِكَ جُذُورَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ فَاشِيَّةً فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَهِيَ اتِّخَاذُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ تُعْتَقَدُ لَهُمُ
السُّلْطَةُ الْغَيْبِيَّةُ، وَيُدْعَوْنَ لِذَلِكَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ فِي الدُّنْيَا، وَيُتَقَرَّبُ بِهِمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى. وَجَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَمُقَارَعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ تَفْصِيلٌ لِهَذَا الْإِجْمَالِ.
وَأَمَّا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ: فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَطْوِيٌّ فِي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَذِكْرُ الرَّحْمَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ - وَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ - وَعْدٌ بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ كَرَّرَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً تَنْبِيهًا لَنَا عَلَى أَمْرِهِ إِيَّانَا بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِنَا لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِنَا وَمَنْفَعَتِنَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ مَعًا لِأَنَّ مَعْنَى الدِّينِ: الْخُضُوعُ. أَيْ أَنَّ لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ السُّلْطَانَ الْمُطْلَقَ وَالسِّيَادَةَ الَّتِي لَا نِزَاعَ فِيهَا - لَا حَقِيقَةً وَلَا ادِّعَاءً - وَأَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ يَكُونُ خَاضِعًا لِعَظَمَتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخْشَى عَذَابَهُ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ. أَوْ مَعْنَى الدِّينِ: الْجَزَاءُ، وَهُوَ إِمَّا ثَوَابٌ لِلْمُحْسِنِ، وَإِمَّا عِقَابٌ لِلْمُسِيءِ، وَذَلِكَ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ. وَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وَهُوَ الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ فَازَ، وَمَنْ تَنَكَّبَهُ هَلَكَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ.
وَأَمَّا الْعِبَادَةُ فَبَعْدَ أَنْ ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أَوْضَحَ مَعْنَاهَا بَعْضَ الْإِيضَاحِ فِي بَيَانِ الْأَمْرِ الرَّابِعِ الَّذِي يَشْمَلُهَا وَيَشْمَلُ أَحْكَامَ الْمُعَامَلَاتِ وَسِيَاسَةَ الْأُمَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ إِنَّهُ قَدْ وَضَعَ لَنَا صِرَاطًا سَيُبَيِّنُهُ وَيُحَدِّدُهُ وَتَكُونُ السَّعَادَةُ فِي الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، وَالشَّقَاوَةُ فِي الِانْحِرَافِ عَنْهُ، وَهَذِهِ الِاسْتِقَامَةُ عَلَيْهِ هِيَ رُوحُ الْعِبَادَةِ، وَيُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) فَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ هُوَ كَمَالُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ. وَالْفَاتِحَةُ بِجُمْلَتِهَا تَنْفُخُ رُوحَ الْعِبَادَةِ فِي الْمُتَدَبِّرِ لَهَا، وَرُوحُ الْعِبَادَةِ هِيَ: إِشْرَابُ الْقُلُوبِ خَشْيَةَ اللهِ وَهَيْبَتَهُ، وَالرَّجَاءَ لِفَضْلِهِ، لَا الْأَعْمَالُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ فِعْلٍ وَكَفٍّ وَحَرَكَاتِ اللِّسَانِ وَالْأَعْضَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَتِ الْعِبَادَةُ فِي الْفَاتِحَةِ قَبْلَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَأَحْكَامِهَا، وَالصِّيَامِ وَأَيَّامِهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الرُّوحُ فِي الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُكَلَّفُوا هَذِهِ الْأَعْمَالَ الْبَدَنِيَّةَ وَقَبْلَ نُزُولِ أَحْكَامِهَا الَّتِي فُصِّلَتْ فِي الْقُرْآنِ تَفْصِيلًا مَا، وَإِنَّمَا الْحَرَكَاتُ
وَالْأَعْمَالُ مِمَّا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى حَقِيقَةِ الْعِبَادَةِ، وَمُخُّ الْعِبَادَةِ الْفِكْرُ وَالْعِبْرَةُ.
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ وَالْقَصَصُ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هُنَاكَ قَوْمًا تَقَدَّمُوا وَقَدْ شَرَّعَ اللهُ شَرَائِعَ لِهِدَايَتِهِمْ. وَصَائِحٌ يَصِيحُ: أَلَا فَانْظُرُوا فِي الشُّئُونِ الْعَامَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَاعْتَبِرُوا بِهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ يَدْعُوهُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 31
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست