responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 290
وَهَاهُنَا يَذْكُرُ الْمُفَسِّرُونَ قِصَّةً فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّشْدِيدِ، وَهُوَ الْمَصِيرُ إِلَى بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا صَحِيحًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ وَبَيَانِ الْمَعْنَى. وَقَدْ يَشْتَبِهُ بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّ أَحْكَامَ اللهِ - تَعَالَى - لَا تَكُونُ تَابِعَةً لِأَفْعَالِ النَّاسِ الْعَارِضَةِ، وَيَرُدُّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ كَثِيرًا مَا يَكُونُ عُقُوبَةً؛ لِأَنَّهُ تَرْبِيَةٌ لِلنَّاسِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَسْئِلَةُ وَالْأَجْوِبَةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَفْصُولَةً غَيْرَ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاءِ، وَذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهِ الْأُسْلُوبُ الْبَلِيغُ، فَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَلَاغَةِ أَنَّ الْقَوْلَ إِذَا أَشْعَرَ بِسُؤَالٍ، كَانَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ مَفْصُولًا عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) يُشْعِرُ بِسُؤَالٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا كَانَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْأَمْرِ؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) وَهَذَا يُشْعِرُ بِسُؤَالٍ أَيْضًا، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا قَالَ مُوسَى إِذْ قَالُوا ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: (قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ) . . . إِلَخْ. وَهَكَذَا وَرَدَ غَيْرُهَا مِنَ الْمُرَاجَعَاتِ فِي التَّنْزِيلِ، كَمَا تَرَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
هَذَا هُوَ أَوَّلُ الْقِصَّةِ الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَهِيَ الْقَتْلُ، ثُمَّ التَّنَازُعُ فِي الْقَاتِلِ ثُمَّ تَشْرِيعُ الْحُكْمِ لِكَشْفِ الْحَقِيقَةِ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَمَا كَانَ مِنْ إِلْحَاحِهِمْ فِي السُّؤَالِ عَلَى مَا سَبَقَ.
فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) أُسْنِدَ فِيهِ الْقَتْلُ إِلَى الْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا بِاعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا فِي مَجْمُوعِهَا وَتَكَافُلِهَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ. وَالتَّدَارُؤُ: تَفَاعُلٌ مِنَ الدَّرْءِ وَهُوَ الدَّفْعُ، فَمَعْنَاهُ: التَّدَافُعُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ خِصَامٌ وَاتِّهَامٌ، وَكَانَ كُلٌّ يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَيَتَّهِمُ غَيْرَهُ، وَكَانَ لِلْقَاتِلِينَ وَالْعَارِفِينَ بِهِمْ حُظُوظٌ وَأَهْوَاءٌ كَتَمُوا فِيهَا
الْحَقِيقَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى - بَعْدَ التَّذْكِيرِ بِالْجَرِيمَةِ: (وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) مِنَ الْإِيقَاعِ بِقَوْمٍ بُرَآءُ تَتَّهِمُونَهُمْ بِالْقَتْلِ لِإِخْفَاءِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَكْرُكُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى) فَهُوَ بَيَانٌ لِإِخْرَاجِ مَا يَكْتُمُونَ.
وَيَرْوُونَ فِي هَذَا الضَّرْبِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً. قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ اضْرِبُوا الْمَقْتُولَ بِلِسَانِهَا، وَقِيلَ: بِفَخِذِهَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 290
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست