responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 264
قَوْلِهِ: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وَ (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أَيْ: لِيُعِدَّكُمْ بِهَذَا الْعَفْوِ لِلْاسْتِمْرَارِ عَلَى الشُّكْرِ وَيَعِدَّكُمْ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ لِلْاهْتِدَاءِ وَيُهَيِّئَكُمْ لِلْاسْتِرْشَادِ، فَلَا تَقَعُوا فِي وَثَنِيَّةٍ أُخْرَى، وَإِنَّ مِنْ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْهِدَايَةِ بِفَهْمِ الْكِتَابِ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ هُدًى وَنُورٌ يُرْجِعُهُمْ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكَذَلِكَ اهْتَدَى بِهِ مِنْهُمُ الْمُسْتَبْصِرُونَ، وَجَاحَدَهُ الرُّؤَسَاءُ الْمُسْتَكْبِرُونَ، وَالْمُقَلِّدُونَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ.
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ التَّذْكِيرِ غَيْرُ مَا سَبَقَهُ، وَمِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْحِكْمَةِ أَنْ يَجِيءَ تَالِيًا لَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ: مَهَدَّ أَوَّلًا لِلتَّذْكِيرِ تَمْهِيدًا يَسْتَرْعِي السَّمْعَ، وَيُوَجِّهُ الْفِكْرَ وَيَسْتَمِيلُ الْقَلْبَ، وَهُوَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ النِّعْمَةِ مُجْمَلَةً وَالتَّفْضِيلِ عَلَى الْعَالَمِينَ وَلَا يَرْتَاحُ الْإِنْسَانُ لِحَدِيثٍ كَحَدِيثِ مَنَاقِبِ قَوْمِهِ وَمَفَاخِرِهِمْ، ثُمَّ طَفِقَ يُفَصِّلُ النِّعْمَةَ وَيَشْرَحُهَا، فَبَدَأَ بِذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا لَا يَقْتَرِنُ بِهِ ذِكْرُ سَيِّئَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَهُوَ تَنْجِيَتُهُمْ مِنْ ظُلْمِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مَعَهُ أَكْبَرَ ضُرُوبِ ذَلِكَ الظُّلْمِ - وَهُوَ قَتْلُ
الْأَبْنَاءِ - يُخَفِّضُ مِنْ عُتُوِّ تِلْكَ النُّفُوسِ الْمُعْجَبَةِ الْمُتَكَبِّرَةِ الَّتِي تَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ لَا يُسَوِّدُ عَلَيْهِمْ شَعْبًا آخَرَ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يُنَفِّرُ بِهَا عَنِ الْإِصْغَاءِ وَالتَّدَبُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَاجِئْهَا بِشَيْءٍ فِيهِ نِسْبَةُ التَّقْصِيرِ وَعَمَلُ السُّوءِ إِلَيْهَا، ثُمَّ ثَنَّى بِذِكْرِ نِعْمَةٍ خَاصَّةٍ خَالِصَةٍ تَسْكُنُ النَّفْسُ إِلَى ذِكْرِهَا، إِذْ لَا يَشُوبُ الْفَخْرَ بِهَا تَنْغِيصٌ مِنْ تَذَكُّرِ غَضَاضَةٍ تَتَّصِلُ بِوَاقِعَتِهَا، وَهِيَ فَرْقُ الْبَحْرِ بِهِمْ وَإِنْجَاؤُهُمْ، وَإِغْرَاقُ عَدُوِّهِمْ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست