responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 251
يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ لَا يَصِلُ إِيمَانُهُمْ بِاللهِ وَبِكِتَابِهِ إِلَى دَرَجَةِ الظَّنِّ الَّذِي يَأْخُذُ صَاحِبُهُ بِالِاحْتِيَاطِ.
(أَقُولُ) : بَلْ هُوَ تَقْلِيدٌ عَادِيٌّ مَحْضٌ كَالْعَادَاتِ الْقَوْمِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ فَهُوَ لَا يُنْجِي صَاحِبَهُ فِي الْآخِرَةِ.
(يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)
تَقَدَّمَ تَذْكِيرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالنِّعْمَةِ فِي آيَةٍ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَقْرُونًا بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللهِ، وَبِالْوَعْدِ بِالْجَزَاءِ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرِ بِالْخَشْيَةِ مِنْهُ وَالرَّهْبَةِ لَهُ وَحْدَهُ. (وَهِيَ آيَةُ 40) وَتَلَاهَا آيَاتٌ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَنَهَاهُمْ عَنْ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَكِتْمَانِهِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ عَلَى نِسْيَانِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبِرِّ مَعَ أَمْرِهِمْ لِلنَّاسِ بِهِ وَتِلَاوَتِهِمُ الْكِتَابَ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي لَوْ سَلَكُوهَا عُوفُوا مِنْ هَذَا النِّسْيَانِ، تِلْكَ الطَّرِيقُ هِيَ: الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي فَقَدُوهَا بِفَقْدِ رُوحِهَا، وَهُوَ: الْإِخْلَاصُ وَالْخُشُوعُ، وَبَعْدَ هَذَا عَادَ إِلَى التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ بِنَوْعٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مُجْمَلَةٌ وَالْإِجْمَالُ يُنَبِّهُ الْفِكْرَ إِلَى الذِّكْرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَلَاهُ التَّفْصِيلُ وَالْبَيَانُ كَانَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِكَمَالِ الْفَهْمِ (فَيَكُونُ التَّذَكُّرُ أَتَمَّ وَالتَّأَثُّرُ أَقْوَى، وَالشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ أَرْجَى) .
ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَتَهُ، وَتَفْضِيلَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى النَّاسِ، إِحْيَاءً لِشُعُورِ الْكَرَامَةِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَوَصْلِهِ بِالْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْجَزَاءِ. وَهَذَا أُسْلُوبٌ حَكِيمٌ فِي الْوَعْظِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ وَاعِظٍ أَنْ يَبْدَأَ وَعْظَهُ بِإِحْيَاءِ إِحْسَاسِ الشَّرَفِ وَشُعُورِ
الْكَرَامَةِ فِي نُفُوسِ الْمَوْعُوظِينَ لِتَسْتَعِدَّ بِذَلِكَ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ (وَتَجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ مَعُونَةً مِنَ الْعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ النُّفُوسِ الْكَرِيمَةِ عَلَى عَوَامِلِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا اسْتَشْعَرَتْ كَرَامَتَهَا وَعُلُوَّهَا إِلَى مَا فِي الرَّذَائِلِ مِنَ الْخِسَّةِ أَبَى لَهَا ذَلِكَ الشُّعُورُ - شُعُورُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ - أَنْ تَنْحَطَّ إِلَى تَعَاطِي تِلْكَ الْخَسَائِسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الْوَسَائِلِ لِمُسَاعَدَةِ الْوَاعِظِ عَلَى بُلُوغِ قَصْدِهِ مِنْ نَفْسِ مَنْ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ وَعْظَهُ، ثُمَّ إِنَّ فِي الْوَعْظِ مَا يُؤْلِمُ نَفْسَ الْمَوْعُوظِ، وَحَرَجَا يَكَادُ يَحْمِلُهَا عَلَى النَّفْرَةِ مِنْ تَلْقِينِهِ، وَالِاسْتِنْكَافِ مِنْ سَمَاعِهِ، فَذِكْرُ الْوَاعِظِ لِمَا يُشْعِرُ بِكَرَامَةِ الْمُخَاطَبِ وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ، وَإِبَاءِ مَا يَنْمِي إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ أَنْ يَدُومَ عَلَى مِثْلِ مَا يَقْتَرِفُ يُقْبِلُ بِالنَّفْسِ عَلَى الْقَبُولِ، كَمَا يُقْبِلُ الْجَرِيحُ عَلَى مَنْ يُضَمِّدُ جِرَاحَهُ وَيُسَكِّنُ آلَامَهُ) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 251
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست