responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 235
الْإِلْهَامَانِ اللَّذَانِ يَكُونَانِ لِلْإِنْسَانِ فِي الطَّوْرِ الثَّانِي وَهُوَ طَوْرُ التَّمْيِيزِ هُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (90: 10) وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ وَإِزْلَالُهُ لَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ وَظِيفَةِ تِلْكَ الرُّوحِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي تُلَابِسُ النُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ فَتُقَوِّي فِيهَا دَاعِيَةَ الشَّرِّ، أَيْ إِنَّ إِلْهَامَ التَّقْوَى وَالْخَيْرِ أَقْوَى فِي فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ هُوَ الْأَصْلُ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إِلَّا بِمُلَابَسَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ وَوَسْوَسَتِهِ إِلَيْهِ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ مِثَالٌ لِمَا يُلَاقِيهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَنَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الِاعْتِدَالِ الْفِطْرِيِّ.
وَأَمَّا تَلَقِّي آدَمَ الْكَلِمَاتِ وَتَوْبَتُهُ، فَهُوَ بَيَانٌ لِمَا عُرِفَ فِي الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِالْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَعْقُبُ الْأَفْعَالَ السَّيِّئَةَ، وَرُجُوعِهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - عِنْدَ الضِّيقِ وَالْتِجَائِهِ إِلَيْهِ فِي الشِّدَّةِ، وَتَوْبَةُ اللهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ عِبَارَةٌ عَنْ هِدَايَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى الْمَخْرَجِ مِنَ الضِّيقِ، وَالتَّفَلُّتِ مِنْ شَرَكِ الْبَلَاءِ، بَعْدَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَالِالْتِجَاءِ، وَذِكْرُ تَوْبَةِ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ تَرُدُّ مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى مِنِ اعْتِقَادٍ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - قَدْ سَجَّلَ مَعْصِيَةَ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِيهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ عِيسَى وَيُخَلِّصَهُمْ مِنْهَا وَهُوَ اعْتِقَادٌ تَنْبِذُهُ الْفِطْرَةُ، وَيَرُدُّهُ الْوَحْيُ الْمُحْكَمُ الْمُتَوَاتِرُ.
فَحَاصِلُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْأَطْوَارَ الْفِطْرِيَّةَ لِلْبَشَرِ ثَلَاثَةٌ، طَوْرُ الطُّفُولِيَّةِ: وَهُوَ طَوْرُ نَعِيمٍ وَرَاحَةٍ، وَطَوْرُ التَّمْيِيزِ النَّاقِصِ: وَفِيهِ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عُرْضَةً لِاتِّبَاعِ الْهَوَى بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَطَوْرُ الرُّشْدِ وَالِاسْتِوَاءِ: وَهُوَ الَّذِي يَعْتَبِرُ فِيهِ بِنَتَائِجِ الْحَوَادِثِ، وَيَلْتَجِئُ فِيهِ عِنْدَ الشِّدَّةِ إِلَى الْقُوَّةِ الْغَيْبِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، فَهَكَذَا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي أَفْرَادِهِ مِثَالًا لِلْإِنْسَانِ فِي مَجْمُوعِهِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : كَأَنَّ تَدَرُّجَ الْإِنْسَانِ فِي حَيَاتِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ابْتَدَأَ سَاذَجًا سَلِيمَ الْفِطْرَةِ، قَوِيمَ الْوِجْهَةِ، مُقْتَصِرًا فِي طَلَبِ حَاجَاتِهِ عَلَى الْقَصْدِ وَالْعَدْلِ، مُتَعَاوِنًا عَلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يُصِيبُهُ مِنْ مُزْعِجَاتِ الْكَوْنِ، وَهَذَا هُوَ الْعَصْرُ الَّذِي يَذْكُرُهُ جَمِيعُ طَوَائِفِ الْبَشَرِ وَيُسَمُّونَهُ بِالذَّهَبِيِّ.
ثُمَّ لَمْ يَكْفِهِ هَذَا النَّعِيمُ الْمُرَفِّهُ فَمَدَّ بَعْضُ أَفْرَادِهِ أَيْدِيَهُمْ إِلَى تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ لَهُمْ، طَاعَةً لِلشَّهْوَةِ، وَمَيْلًا مَعَ خَيَالِ اللَّذَّةِ، وَتَنَبَّهَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ نَائِمًا فِي نُفُوسِ سَائِرِهِمْ فَثَارَ النِّزَاعُ، وَعَظُمَ الْخِلَافُ، وَاسْتُنْزِلَ الشَّقَاءُ، وَهَذَا هُوَ الطَّوْرُ الثَّانِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي تَارِيخِ الْأُمَمِ.
ثُمَّ جَاءَ الطَّوْرُ الثَّالِثِ: وَهُوَ طَوْرُ الْعَقْلِ وَالتَّدَبُّرِ، وَوَزْنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِمِيزَانِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَتَحْدِيدُ حُدُودِ الْأَعْمَالِ تَنْتَهِي إِلَيْهَا نَزَعَاتُ الشَّهَوَاتِ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا سَيْرُ الرَّغَبَاتِ، وَهُوَ طَوْرُ التَّوْبَةِ وَالْهِدَايَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
(وَأَقُولُ الْآنَ) : إِنَّ تَوْبَةَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْقِصَّةِ بِحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 235
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست