responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 220
سُبْحَانَكَ " تَهْدِي إِلَى هَذَا فَكَأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَحْدَهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْبَلَاغَةُ مَضْرُوبٌ سُرَادِقُهَا، مُثْمِرَةٌ حَدَائِقُهَا، مُتَجَلِّيَةٌ حَقَائِقُهَا. عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ مَوْرِدَ التَّمْثِيلِ، وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَبَعْدَ تَنْزِيهِ الْبَارِي تَبْرَّءُوا مِنْ عِلْمِهِمْ إِلَى عِلْمِهِ - تَعَالَى - وَحِكْمَتِهِ فَقَالُوا: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) وَهُوَ مَحْدُودٌ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُحِيطُ بِكُلِّ الْمُسَمَّيَاتِ (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بِخَلْقِكَ (الْحَكِيمُ) فِي صُنْعِكَ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ: إِنَّ هَذِهِ التَّأْكِيدَاتِ تُشْعِرُ بِأَنَّ سُؤَالَ الِاسْتِغْرَابِ الْأَوَّلِ كَانَ يُتَنَسَّمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ (أَنْبَئُونِي) بِقَوْلِهِمْ: (لَا عِلْمَ لَنَا) خَتَمُوا الْجَوَابَ بِالتَّبَرُّؤِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ - تَعَالَى - بِالْعِلْمِ الثَّابِتِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ، وَالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ أَنَّ صِيغَةَ (فَعِيلٍ) تَدُلُّ غَالِبًا عَلَى الصِّفَاتِ الرَّاسِخَةِ اللَّازِمَةِ، فَكَانَ جَوَابُ الْمَلَائِكَةِ بِهَذَا مُؤْذِنًا بِأَنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مَا كَانَ يَجِبُ أَلَّا يَغْفَلَ مِثْلُهُمْ عَنْهُ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ لِسِعَةِ عِلْمِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ.
(قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) فَكَانَ الْإِنْبَاءُ كَمَا أَرَادَ اللهُ - تَعَالَى - وَذَكَرَهُ لِأَجْلِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ) اللهُ - تَعَالَى - لِلْمَلَائِكَةِ: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَلَا يَخْلُقُ شَيْئًا سُدًى، وَلَا يَجْعَلُ الْخَلِيفَةَ فِي الْأَرْضِ عَبَثًا (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) وَالَّذِي يُبْدُونَهُ هُوَ مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي نُفُوسِهِمْ، وَأَمَّا مَا يَكْتُمُونَ فَهُوَ مَا يُوجَدُ فِي غَرَائِزِهِمْ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ طَبَائِعُهُمْ.
وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْمُرَاجَعَاتِ وَالْمُنَاظَرَاتِ يُفَوِّضُ السَّلَفُ الْأَمْرَ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا، وَيَكْتَفُونَ بِمَعْرِفَةِ فَائِدَتِهَا وَحِكْمَتِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْخَلَفُ فَيَلْجَئُونَ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَأَمْثَلُ طُرُقِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ التَّمْثِيلُ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي كِتَابِهِ بِأَنْ يُبْرِزَ لَنَا الْأَشْيَاءَ الْمَعْنَوِيَّةَ فِي قَوَالِبِ الْعِبَارَةِ اللَّفْظِيَّةِ، وَيُجَلِّي لَنَا الْمَعَارِفَ الْمَعْقُولَةَ بِالصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، وَتَسْهِيلًا لِلْإِعْلَامِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّفْنَا بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قِيمَةَ أَنْفُسِنَا، وَمَا أَوْدَعَتْهُ فِطْرَتُنَا، مِمَّا نَمْتَازُ بِهِ عَلَى غَيْرِنَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَكْمِيلِ أَنْفُسِنَا بِالْعُلُومِ الَّتِي خُلِقْنَا مُسْتَعِدِّينَ لَهَا مِنْ دُونِ الْمَلَائِكَةِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ لِتَظْهَرَ حِكْمَةُ اللهِ فِينَا، وَلَعَلَّنَا نُشْرِفُ عَلَى مَعْنَى إِعْلَامِ اللهِ الْمَلَائِكَةَ بِفَضْلِنَا، وَمَعْنَى سُجُودِهِمْ لِأَصْلِنَا (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (24: 35) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست