responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 212
بِأَنَّ كَلَامَ اللهِ كُلَّهُ حَقٌّ، وَأَلَّا تُؤَوِّلَ شَيْئًا مِنْهُ بِسُوءِ الْقَصْدِ، وَكَذَا مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ الدِّينِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ. وَالتَّفْسِيرُ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا وَإِنَّمَا يَجِبُ مَعَهُ تَنْزِيهُ الْخَالِقِ وَعَدَمُ تَشْبِيهِ عَالَمِ الْغَيْبِ بِعَالَمِ الشَّهَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهَاكَ تَفْسِيرُ هَذَا السِّيَاقِ بِمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فِي الْأَزْهَرِ قَالَ مَا مِثَالُهُ:
أَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُ السَّلَفُ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ خَلْقٌ أَخْبَرَنَا اللهُ - تَعَالَى - بِوُجُودِهِمْ وَبِبَعْضِ عَمَلِهِمْ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِمْ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِمْ فَنُفَوِّضُ عِلْمَهَا إِلَى اللهِ - تَعَالَى -، فَإِذَا وَرَدَ أَنَّ لَهُمْ أَجْنِحَةً نُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ أَجْنِحَةً مِنَ الرِّيشِ وَنَحْوِهِ كَأَجْنِحَةِ الطُّيُورِ؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَرَأَيْنَاهَا، وَإِذَا وَرَدَ أَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ بِالْعَوَالِمِ الْجُسْمَانِيَّةِ كَالنَّبَاتِ وَالْبِحَارِ فَإِنَّنَا نَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِي الْكَوْنِ عَالَمًا آخَرَ أَلْطَفَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ، وَأَنَّ لَهُ عَلَاقَةً بِنِظَامِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَالْعَقْلُ لَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَةِ هَذَا بَلْ يَحْكُمُ بِإِمْكَانِهِ لِذَاتِهِ، وَيَحْكُمُ بِصِدْقِ الْوَحْيِ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : وَقَدْ بَحَثَ أُنَاسٌ فِي جَوْهَرِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاوَلُوا مَعْرِفَتَهُمْ وَلَكِنْ مَنْ وَقَفَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - عَلَى هَذَا السِّرِّ قَلِيلُونَ. وَالدِّينُ إِنَّمَا شُرِعَ لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَكَانَ الصَّوَابُ الِاكْتِفَاءَ بِالْإِيمَانِ بِعَالَمِ الْغَيْبِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّاسِ هَذَا الْبَحْثَ أَوِ الْعِلْمَ يَكَادُ يَكُونُ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَمَنْ خَصَّهُ اللهُ - تَعَالَى - بِزِيَادَةٍ فِي الْعِلْمِ فَذَلِكَ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - فِي هَذَا الْعِلْمِ الْلَّدُنِّيِّ الْخَاصِّ وَقَدْ سُئِلَ: " هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ. . . إِلَخْ. " وَأَمَّا ذَلِكَ الْحِوَارُ فِي الْآيَاتِ فَهُوَ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِ اللهِ - تَعَالَى - مَعَ مَلَائِكَتِهِ، صَوَّرَهُ لَنَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَكُونُ مِنَّا، وَأَنَّ هُنَاكَ مَعَانِيَ قُصِدَتْ إِفَادَتُهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِهِ - تَعَالَى - قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ وَأَنَّهُ كَانَ يُعِدُّ لَهُ الْكَوْنَ، وَشَأْنٌ مَعَ الْمَلَائِكَةِ يَتَعَلَّقُ بِخَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَشَأْنٌ آخَرُ فِي بَيَانِ كَرَامَةِ هَذَا النَّوْعِ وَفَضْلِهِ.
وَأَمَّا الْفَائِدَةُ فَمَا وَرَاءَ الْبَحْثِ فِي حَقِيقَةِ الْمَلَائِكَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْخِطَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ - تَعَالَى - فَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ:
(أَحَدِهَا) أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - فِي عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ يَرْضَى لِعَبِيدِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ حِكْمَتِهِ فِي صُنْعِهِ، وَمَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْرَارٍ فِي خَلْقِهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَيْرَةِ،
وَالسُّؤَالُ يَكُونُ بِالْمَقَالِ وَيَكُونُ بِالْحَالِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - فِي اسْتِفَاضَةِ الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ يَنَابِيعِهِ الَّتِي جَرَتْ سُنَنُهُ - تَعَالَى - بِأَنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 212
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست