responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 206
لَا لِإِبْطَالِ شُبَهِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ بِلَوَامِعِ شُهُبِهِ، ثُمَّ إِنَّ تَمْثِيلَ إِحْدَى الْحَيَاتَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْأُخْرَى دَاحِضٌ لِحُجَّةِ مَنْ يَزْعُمُ عَدَمَ إِمْكَانِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ فِي أَحَدِ الْمَثَلَيْنِ جَازَ فِي الْآخَرِ، وَالْكَلَامُ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِلنَّبِيِّ الْمُرْسَلِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ تَابِعٌ لَهُ.
ثُمَّ بَعْدِ بَيَانِ بَعْضِ آيَاتِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ بِذِكْرِ الْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى ذَكَّرَهُمْ بِآيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ فَقَالَ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) فَالْكَلَامُ عَلَى اتِّصَالِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَانْتِظَامِ جَوَاهِرِهِ فِي سِلْكِ أُسْلُوبِهِ، فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) . . . إِلَخْ، انْتِقَالٌ لِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ غَفْلَةً عَنْ هَذَا الِاتِّصَالِ الْمَتِينِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ وُجُوهَ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْآيَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ دَقَائِقِ الْمُنَاسَبَاتِ لَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الْبَلَاغَةِ، وَفَنٌّ مِنْ فُنُونِ الْإِعْجَازِ، إِذَا أَمْكَنَ لِلْبَشَرِ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُمُ الْبُلُوغُ إِلَيْهِ، وَالْكَلَامُ فِي الْبَعْثِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ جِدًّا فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِسْرَاعِ إِلَيْهِ هُنَا.
يُصَوِّرُ لَنَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (خَلَقَ لَكُمْ) قُدْرَتَهُ الْكَامِلَةَ، وَنِعَمَهُ الشَّامِلَةَ، وَأَيُّ قُدْرَةٍ أَكْبَرُ مِنْ قُدْرَةِ الْخَالِقِ؟ وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَكْمَلُ مِنْ جَعْلِ كُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ مُهَيَّئًا لَنَا وَمُعَدًّا لِمَنَافِعِنَا؟ وَلِلْانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ طَرِيقَانِ: (أَحَدُهُمَا) الِانْتِفَاعُ بِأَعْيَانِهَا فِي الْحَيَاةِ الْجَسَدِيَّةِ. (وَثَانِيهُمَا) النَّظَرُ وَالِاعْتِبَارُ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْأَرْضُ: هِيَ مَا فِي الْجِهَةِ السُّفْلَى، أَيْ مَا تَحْتَ أَرْجُلِنَا، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاءِ: كُلُّ مَا فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا، أَيْ فَوْقَ رُءُوسِنَا وَإِنَّنَا نَنْتَفِعُ بِكُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَجَمَادٍ، وَمَا لَا تَصِلُ إِلَيْهِ أَيْدِينَا نَنْتَفِعُ فِيهِ بِعُقُولِنَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى قُدْرَةِ مُبْدِعِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَالتَّعْبِيرُ بِ " فِي " يَتَنَاوَلُ مَا فِي جَوْفِ الْأَرْضِ مِنَ الْمَعَادِنِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ.
(وَأَقُولُ هُنَا) : إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ نَصُّ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ " إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ الْإِبَاحَةُ " وَالْمُرَادُ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَكْلًا وَشُرْبًا وَلِبَاسًا وَتَدَاوِيًا وَرُكُوبًا وَزِينَةً، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَدْخُلُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَضُرُّ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَيَنْفَعُ فِي بَعْضٍ، كَالسُّمُومِ الَّتِي يَضُرُّ أَكْلُهَا وَشُرْبُهَا وَيَنْفَعُ التَّدَاوِي بِهَا، وَلَيْسَ لِمَخْلُوقٍ حَقٌّ فِي تَحْرِيمِ شَيْءٍ أَبَاحَهُ الرَّبُّ لِعِبَادِهِ تَدَيُّنًا بِهِ إِلَّا بِوَحْيِهِ وَإِذْنِهِ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (10: 59) وَمَا يَحْظُرُهُ الطَّبِيبُ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْ طَعَامٍ حَلَالٍ فِي نَفْسِهِ، وَمَا يَمْنَعُ الْحَاكِمُ الْعَادِلُ النَّاسَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ أَوْ رِعَايَةِ مَصْلَحَةٍ فَلَيْسَ مِنَ التَّحْرِيمِ الدِّينِيِّ لِلشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَائِمًا، وَإِنَّمَا يُتْبَعَانِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَأْمُرَانِ بِهِ بِحَقٍّ وَعَدْلٍ مَا دَامَتْ عِلَّتُهُ قَائِمَةً.
قَالَ - تَعَالَى -: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يُقَالُ اسْتَوَى إِلَى الشَّيْءِ: إِذَا قَصَدَ إِلَيْهِ قَصْدًا مُسْتَوِيًا خَاصًّا بِهِ لَا يَلْوِي عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِذَا تَعَدَّى اسْتَوَى بِـ " إِلَى " اقْتَضَى الِانْتِهَاءَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست