responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 197
عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي فَهْمِ الْآيَةِ إِلَى مَا قَالُوهُ فِي سَبَبِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَدًّا لِمَا قِيلَ فَهِيَ رَدٌّ لِمَا قَدْ يُقَالُ، أَوْ يَجُولُ فِي خَوَاطِرِ أَهْلِ الْمُكَابَرَةِ وَالْجِدَالِ وَالْمُجَاحَدَةِ وَالْمِحَالِ.
وَالِاسْتِحْيَاءُ - قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: إِنَّهُ مِنَ الْحَيَاءِ وَهُوَ انْكِسَارٌ وَتَغَيُّرٌ فِي النَّفْسِ يُلِمُّ بِهَا إِذَا نُسِبَ إِلَيْهَا أَوْ عَرَضَ لَهَا فِعْلٌ تَعْتَقِدُ قُبْحَهُ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يَعْرِضُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْتَحِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، أَيْ إِنَّ نَفْسَهُ تَنْكَسِرُ فَتَنْقَبِضُ عَنْ فِعْلِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اسْتَحْيَا مِنْ عَمَلِ كَذَا، أَيْ إِنَّ نَفْسَهُ انْفَعَلَتْ وَتَأَلَّمَتْ عِنْدَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فَرَآهُ شَيْنًا أَوْ نَقْصًا، وَيُقَالُ: حَيِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ أُصِيبَ فِي حَيَاتِهِ، كَمَا يُقَالُ: نُسِيَ إِذَا أُصِيبَ فِي نَسَاهُ - وَهُوَ عِرْقٌ يُسَمُّونَهُ عِرْقَ النَّسَا بِفَتْحِ النُّونِ - وَحُشِيَ إِذَا أُصِيبَ فِي حَشَاهُ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْحَيَاءَ ضَعْفٌ فِي الْحَيَاةِ بِمَا يُصِيبُ مَوْضِعَهَا وَهُوَ النَّفْسُ، فَمَعْنَى عَدَمِ اسْتِحْيَاءِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ ذَلِكَ الِانْكِسَارُ وَالِانْفِعَالُ، وَلَا يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ التَّأَثُّرُ وَالضَّعْفُ فَيَمْتَنِعُ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ، بَلْ هُوَ يَضْرِبُ مِنَ الْأَمْثَالِ الْهَادِيَةِ وَالْمُطَابِقَةِ لِحَالِ الْمُمَثَّلِ بِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُجَلِّي الْحَقَائِقَ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ.
وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ وَغَيْرَهُ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْآيَةَ دَلِيلًا عَلَى اتِّصَافِ اللهِ تَعَالَى بِالْحَيَاءِ فَقَالُوا: إِنَّ النَّفْيَ خَاصٌّ، وَمِثْلُهُ إِذَا وَرَدَ عَلَى شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَابِلٌ لِلِاتِّصَافِ بِالْمَنْفِيِّ، فَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يُنْفَى عَنْهُ، لَا تَقُولُ: إِنَّ عَيْنِي لَا تَسْمَعُ وَأُذُنِي
لَا تَرَى، وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى نَفْيِ الِاسْتِحْيَاءِ هُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَرَى مِنَ النَّقْصِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا بَعُوضَةً فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ نِسْبَةُ الْحَيَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالنَّافُونَ لَهُ يُؤَوِّلُونَ مَا وَرَدَ بِأَثَرِهِ وَغَايَتِهِ.
أَقُولُ: هَذَا مُؤَدَّى مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ فِي الدَّرْسِ، وَالْحَدِيثُ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى بِالْحَيَاءِ مَرْوِيٌّ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْأَوَّلُ النَّسَائِيُّ، وَالثَّانِي التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنُوهُمَا، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْحَيَاءَ انْفِعَالُ النَّفْسِ وَتَأَلُّمُهَا مِنَ النَّقْصِ وَالْقَبِيحِ بِالْغَرِيزَةِ الْفُضْلَى، غَرِيزَةِ حُبِّ الْكَمَالِ فَهُوَ كَمَالٌ لَهَا خِلَافًا لِأُولِي الْوَقَاحَةِ الَّذِينَ يَعُدُّونَهُ ضَعْفًا وَنَقْصًا، وَإِنَّمَا النَّقْصُ الْإِفْرَاطُ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ بِحَيْثُ تَضْعُفُ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ الْحَسَنِ النَّافِعِ اتَّقَاءً لِذَمِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ حُسْنَهُ أَوْ لَا يَعْتَرِفُ بِهِ.
وَالْمَثَلُ فِي اللُّغَةِ: الشَّبَهُ وَالشَّبِيهُ، وَضَرْبُهُ عِبَارَةٌ عَنْ إِيقَاعِهِ وَبَيَانِهِ، وَهُوَ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُذْكَرَ لِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا يُنَاسِبُهَا وَيُشَابِهُهَا وَيُظْهِرُ مِنْ حُسْنِهَا أَوْ قُبْحِهَا مَا كَانَ خَفِيًّا، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ بَيَانَ الْأَحْوَالِ كَانَ قِصَّةً وَحِكَايَةً، وَاخْتِيرَ لَهُ لَفْظُ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ يَأْتِي عِنْدَ إِرَادَةِ التَّأْثِيرِ وَهَيْجِ الِانْفِعَالِ، كَأَنَّ ضَارِبَ الْمَثَلِ يَقْرَعُ بِهِ أُذُنَ السَّامِعِ قَرْعًا يَنْفُذُ أَثَرُهُ إِلَى قَلْبِهِ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست