responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 181
وَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(تَمْهِيدٌ) الْإِيمَانُ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْإِيمَانِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَلَا يُخَاطَبُ بِإِثْبَاتِهَا وَالدَّلِيلِ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْعَالَمِ، وَأَكْثَرُ الْبَشَرِ يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ صَاحِبِ السُّلْطَانِ الْغَيْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُودِعَ فِي الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا يُعْقَلُ هَذَا النِّظَامُ الْمُشَاهَدُ فِي الْعَالَمِ بِدُونِهِ - كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ - وَلَكِنَّ الْكَثِيرِينَ يُخْطِئُونَ فِي فَهْمِ صِفَاتِهِ وَالْكَلَامِ فِي تَدْبِيرِهِ وَتَقْدِيرِهِ لِاخْتِلَافِ أَنْظَارِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالَّذِينَ حُرِمُوا هَذَا الْإِيمَانَ قِسْمَانِ: هَمَجٌ مِنْ سُكَّانِ الْغَابَاتِ الْوَحْشِيَّةِ وَأَصْحَابُ شُبَهَاتٍ طَارِئَةٍ، وَمَثَلُ الْأَوَّلِ مَثَلُ الْخِدَاجِ الَّذِي يُولَدُ نَاقِصًا، وَمَثَلُ الثَّانِي مَثَلُ مَنْ يُصَابُ بِبَعْضِ مَشَاعِرِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ، وَمَرَاكِزُ الْإِدْرَاكِ فِي الْمُخِّ يُصَابُ بَعْضُهَا بِالْمَرَضِ أَوِ الضِّعْفِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّقِينَ بِكُفْرِ بَعْضِ الْمُتْقِنِينَ لِبَعْضِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ، الَّذِينَ شَغَلَتْهُمُ الصَّنْعَةُ عَنِ الصَّانِعِ، كَمَا شَغَلَ حُبُّ لَيْلَى مَجْنُونَ بَنِي عَامِرٍ عَنْ شَخْصِهَا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهَا زَارَتْهُ فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا.
وَأَكْثَرُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ تَعَالَى يُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِنَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْهُدَى بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ وَلَا كَسْبٍ، وَأَيَّدَهُمْ بِآيَاتٍ مِنْهُ دَانَتْ لَهَا عُقُولُ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْهِدَايَةِ، وَخَضَعَتْ قُلُوبُهُمْ فَآمَنُوا وَاهْتَدَوْا، وَكَانَتْ حَالُهُمُ الْبَشَرِيَّةُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى خَيْرًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ هُمْ وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ صَلَاحًا، وَقَدْ بَعَثَ اللهُ تَعَالَى رُسُلًا إِلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ دَعَوْهَا إِلَى أُصُولِ الدِّينِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (2: 62) .
فَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - كَانُوا مُتَّفِقِينَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالشَّرَائِعِ الْمُصْلِحَةِ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ اسْتِعْدَادِ أُمَمِهِمْ، وَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ بِدَعٌ وَثَنِيَّةٌ وَخُرَافِيَّةٌ وَضَاعَتْ أَكْثَرُ تَعَالِيمِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ. وَإِنَّمَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ صَالِحَةٌ مِنْهَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِيهَا مِنَ الشَّوَائِبِ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا. وَكَذَلِكَ بَقِيَتْ فِي جَمِيعِ
الْأَدْيَانِ الْقَدِيمَةِ آثَارٌ تَارِيخِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا نَرَاهُ فِي تَارِيخِ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْفُرْسِ وَالْيُونَانِ وَوَثَنِيِّي الْهِنْدِ وَالْيَابَانِ وَالصِّينِ.
وَمِمَّا حُفِظَ مِنْ أَخْبَارِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَيَّدَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَنْ بَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ وَأَيَّدَ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ: كَمُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - أَجْمَعِينَ بِآيَاتٍ أُخْرَى مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فَقَامَتْ بِهَا حُجَّتُهُمْ عَلَى النَّاسِ فَآمَنَ بِهَا الْمُسْتَعِدُّونَ، وَكَابَرَهَا الْمُعَانِدُونَ الْمُتَكَبِّرُونَ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا الْمُقَلِّدُونَ الْجَامِدُونَ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست