responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 162
كَأَنَّهُ يَقُولُ أَدَعُ لَكُمْ مَا فِي سُورِ الْقَصَصِ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ، وَأَتَحَدَّاكُمْ أَنْتُمْ وَسَائِرَ الَّذِينَ تَسْتَطِيعُونَ الِاسْتِعَانَةَ بِهِمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي قَصَصِهَا، مَعَ السَّمَاحِ لَكُمْ بِجَعْلِهَا قَصَصًا مُفْتَرَاةً مِنْ حَيْثُ مَوْضُوعُهَا، فَإِنْ جِئْتُمْ بِهِ مِثْلَ سُوَرِهِ الْقَصَصِيَّةِ فِي سَائِرِ مَزَايَاهَا اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، فَأَنَا أَعْتَرِفُ لَكُمْ بِدَحْضِ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ.
وَأَمَّا اكْتِفَاؤُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ بَعْدَهَا بِالتَّحَدِّي بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمْ " افْتَرَاهُ " فَلِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا مُفْتَرَاةً، لَا مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ عَلَيْهِمْ بِالْوَاحِدَةِ بَعْدَ عَجْزِهِمْ عَنِ الْعَشْرِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الْغَيْبِ وَالْتِزَامُ الصِّدْقِ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ التَّحَدِّيَ بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ لِذَاتِهِ فِي جُمْلَتِهِ، وَالتَّحَدِّيَ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ إِعْجَازِهِ فِي عَشْرِ سُورٍ مِثْلِهِ، وَبِسُورَةٍ مِثْلِهِ، كِلَاهُمَا ثَابِتٌ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَتِهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَلَمَّا كَانَ كُفَّارُ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الِاحْتِجَاجُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ هُمُ الْيَهُودُ - وَهُمْ يَعُدُّونَ أَخْبَارَ الرُّسُلِ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى عِلْمِ الْغَيْبِ - تَحَدَّاهُمْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمِّيَّتِهِ، لِيَشْمَلَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مَعَ بَقَاءِ التَّحَدِّي الْمُطْلَقِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلِهِ عَلَى إِطْلَاقِهِ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَيَأْتِي بَحْثُ وُجُوهِ هَذَا الْإِعْجَازِ قَرِيبًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) إِلَخْ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَتَجْتَثُّوا دَلِيلَهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَمَا أَنْتُمْ بِفَاعِلِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي طَاقَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِأَمْثَالِكُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ، الَّذِينَ يَجْحَدُونَ الْحَقَّ بَعْدَ الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ هُنَا فِي ذَاتِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَقْوِيَةِ الدَّلِيلِ وَتَقْرِيرِ عَجْزِهِمْ بِمَا يُثِيرُ حَمِيَّتِهِمْ وَيُغْرِيهِمْ بِتَكَلُّفِ الْمُعَارَضَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا النَّفْيِ الِاسْتِقْبَالِيِّ الْمُؤَكَّدِ أَوِ الْمُؤَبَّدِ مِنْ عَاقِلٍ كَالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَمْرٍ مُمْكِنٍ عَقْلًا لَوْلَا أَنْ أَنْطَقَهُ اللهُ الَّذِي خَصَّهُ بِالْوَحْيِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَحَدٍ.
وَعَبَّرَ عَنْ نَفْيِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ بِـ " إِنِ " الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَمَّا يُشَكُّ فِي شَرْطِهِ، أَوْ يَجْزِمُ الْمُتَكَلِّمُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ هُنَا بِـ " إِذَا " لِأَنَّ الْمُحَقَّقَ أَنَّهُمْ لَنْ يَفْعَلُوا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّكِّ، وَلَكِنَّ الْقَوَاعِدَ الَّتِي تُذْكَرُ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ قَدْ يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى حَالِ الْمُخَاطَبِ لَا حَالِ الْمُتَكَلِّمِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ أَنْ يَبْلُغَهُ مِنْ نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَيُودِعَهُ فِي ذِهْنِهِ، فَهَاهُنَا يُخَاطِبُ اللهُ الْمُرْتَابِينَ، وَالَّذِينَ هُمْ فِي جُحُودِهِمْ وَعِنَادِهِمْ كَالْوَاثِقِينَ الْمُوقِنِينَ، خِطَابًا يُؤْذِنُ أَوَّلُهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِمَا تَحَدَّاهُمْ بِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَازِمُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ جَائِزَةٌ مِنْهُمْ، وَدَاخِلَةٌ فِي حُدُودِ إِمْكَانِهِمْ، خَاطَبَهُمْ بِهَذَا مُرَاعَاةً لِظَاهِرِ حَالِهِمُ الَّتِي تُومِئُ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ، وَتُشِيرُ إِلَى إِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِالسُّورَةِ، ثُمَّ كَرَّ عَلَى هَذَا الْإِيذَانِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 162
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست