responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 157
(وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) مُتَمَاسِكًا لِكَيْلَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَتَسْحَقَكُمْ. السَّمَاءُ: مَجْمُوعُ مَا فَوْقَنَا مِنَ الْعَالَمِ.
وَالْبِنَاءُ: وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ بِحَيْثُ يَتَكَوَّنُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ كَوَّنَ اللهُ السَّمَاءَ بِنِظَامٍ كَنِظَامِ الْبِنَاءِ، وَسَوَّى أَجْرَامَهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمُشَاهَدَةِ وَأَمْسَكَهَا بِسُنَّةِ الْجَاذِبِيَّةِ فَلَا تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَصْطَدِمُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، إِلَّا إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْوَعِيدِ
وَبَطَلَ نِظَامُ هَذَا الْعَالَمِ لِيَعُودَ فِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، وَالْوَاجِبُ مُلَاحَظَتُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، هُوَ تَصَوُّرُ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، وَسَعَةِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ.
ثُمَّ بَعْدَ أَنِ امْتَنَّ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَنِعْمَةِ الْفِرَاشِ وَالْمِهَادِ، وَنِعْمَةِ السَّمَاءِ الَّتِي هِيَ كَالْبِنَاءِ، ذَكَرَ نِعْمَةَ الْإِمْدَادِ، الَّذِي تُحْفَظُ بِهِ هَذِهِ الْأَجْسَادُ، وَهِيَ مَادَّةُ الْغِذَاءِ، الَّتِي بِهَا النُّمُوُّ وَالْبَقَاءُ، فَقَالَ: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) الثَّمَرَاتُ: مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّبَاتِ نَجْمًا كَانَ أَوْ شَجَرًا، يُصْلِحُ الزَّارِعُ وَالْغَارِسُ الْأَرْضَ، وَيَبْذُرُ الْبَذْرَ، وَيَغْرِسُ الْفَسِيلَ، وَيَتَعَاهَدُ ذَلِكَ بِالسَّقْيِ وَالْعَزْقِ، فَيَكُونُ لَهُ كَسْبٌ فِي رِزْقِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَسْبٌ فِي إِنْزَالِ الْمَطَرِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ، وَلَا فِي تَغْذِيَةِ النَّبَاتِ بِمَاءِ الْمَطَرِ أَوِ النَّهْرِ الْمُجْتَمِعِ مِنَ الْمَطَرِ، وَبِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَعَنَاصِرِهَا الْأُخَرِ، وَلَا فِي تَوَلُّدِ خَلَايَاهُ الَّتِي بِهَا نُمُوُّهُ وَلَا فِي إِثْمَارِهِ إِذَا أَثْمَرَ، إِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ بِيَدِ اللهِ الْقَدِيرِ. فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ لِنَزْدَادَ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِجْلَالًا فَلَا نَعْبُدَ مَعَهُ أَحَدًا.
وَبَعْدَ أَنْ عَرَّفْنَا اللهَ تَعَالَى بِأَنْفُسِنَا، وَبِنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا وَعَلَى سَلَفِنَا. وَبَعْدَ أَنْ عَرَفْنَا ذَاتَهُ الْكَرِيمَةَ بِآثَارِ رَحِمْتِهِ وَمِنَنِهِ الْعَظِيمَةِ، وَصِرْنَا جَدِيرِينَ بِأَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدٌ فَلَا يُعْبَدُ وَأَنَّ الرَّبَّ رَبٌّ فَلَا يُشْرَكُ بِهِ وَلَا يُجْحَدُ، قَالَ تَفْرِيعًا وَتَرْتِيبًا عَلَى مَا سَبَقَ: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا) مِنْ سَلَفِكُمُ الْمَخْلُوقِينَ مِثْلَكُمْ تَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مَا لَا يُطْلَبُ إِلَّا مِنْهُ وَهُوَ كُلُّ مَا تَعْجِزُونَ عَنْهُ وَلَا يَصِلُ كَسْبُكُمْ إِلَيْهِ، لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالْعُبُودِيَّةِ مِثْلُكُمْ.
الْأَنْدَادُ: جَمْعُ نِدٍّ بِكَسْرِ النُّونِ، وَفُسِّرَ بِالشَّرِيكِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمُضَارِعُ وَالْكُفْءُ يُقَالُ: فُلَانٌ نِدُّ فُلَانٍ وَمِنْ أَنْدَادِ فُلَانٍ، أَيْ يُضَارِعُهُ وَيُمَاثِلُهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الشُّئُونِ. وَالْأَنْدَادُ الَّذِينَ اتُّخِذُوا فِي جَانِبِ اللهِ هُمُ الَّذِينَ خَضَعَ النَّاسُ لَهُمْ وَصَمَدُوا إِلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْحَاجَاتِ، لِمَعْنًى يَعْتَقِدُهُ فِيهِمُ الْخَاضِعُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِتَرْكِ الْأَنْدَادِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ، وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَالْعَرَبُ كَانَتْ تُسَمِّي ذَلِكَ الْخُضُوعَ وَالصُّمُودَ عِبَادَةً، إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ وَحْيٌ يَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ فَيَتَحَامَوْا هَذَا اللَّفْظَ " الْعِبَادَةَ " وَيَسْتَبْدِلُوا بِهِ لَفْظَ التَّعْظِيمِ أَوِ التَّوَسُّلِ مَثَلًا تَأْوِيلًا لِظَاهِرِ نَصِّ التَّنْزِيلِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَنْدَادًا وَأَرْبَابًا فَكَانُوا يُؤَوِّلُونَ فَلَا يُسَمُّونَ
هَذَا الِاتِّخَاذَ عِبَادَةً وَلَا أُولَئِكَ الْمُعَظَّمِينَ آلِهَةً أَوْ أَنْدَادًا أَوْ أَرْبَابًا.
وَفَرْقٌ بَيْنَ الِاتِّخَاذِ بِالْفِعْلِ وَالتَّسْمِيَةِ بِالْقَوْلِ. وَالْجَمِيعُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللهُ، وَلَا رَازِقَ إِلَّا اللهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَ دُعَاءَهُمْ غَيْرَ اللهِ وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ تَوَسُّلًا وَاسْتِشْفَاعًا، وَيُسَمُّونَ تَشْرِيعَهُمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست