responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 153
فِي فَهْمِ اللُّغَةِ يُؤَهِّلُهُ لِفَهْمِ الْقُرْآنِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ بِدُونِ أَنْ يُمَارِسَ الْبَلَاغَةَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُبْطِلٌ.
فَهَلْ يَصْلُحُ لِمُسْلِمٍ بَلَغَ وَرَشَدَ وَطَلَبَ الْعِلْمَ أَلَّا يَجْعَلَ الْقُرْآنَ إِمَامَهُ وَيَتَّخِذَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَيَهْتَدِي بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبِدَعِ؟ .
أَمَامَنَا عَقَبَتَانِ كَئُودَانِ لَا نَرْتَقِي عَمَّا نَحْنُ فِيهِ إِلَّا بِاقْتِحَامِهِمَا، وَهُمَا الْكَسَلُ وَتَسْجِيلُ الْقُصُورِ عَلَى أَنْفُسِنَا بِجَهْلِ قِيمَةِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا. وَصَاحِبُ هَاتَيْنِ الْخُلَّتَيْنِ يَمْقُتُ كُلَّ مَنْ يُرْشِدُهُ إِلَى الْخَيْرِ وَيَهْدِيهِ لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ يُكَلِّفُهُ ضِدَّ طَبْعِهِ، فَلَا يَرَى مَهْرَبًا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِضَلَالِهِ وَغَيِّهِ، إِلَّا بِالْقَدْحِ فِي مُرْشِدِهِ وَنَاصِحِهِ.
عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَنْظُرَ فِي نَفْسِهِ وَيَنْظُرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَيَزِنَ بِهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ. فَإِنْ رَجَحَ بِهِ مِيزَانُهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ حَقِيقِيٌّ فَلْيَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى. وَإِلَّا فَلْيَسْعَ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الرُّجْحَانُ.
لَا بُدَّ لَنَا مِنَ النَّظَرِ الطَّوِيلِ وَالْفِكْرِ الْقَوِيمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَمَنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى الْحَقِّ.
وَمَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ فَهُوَ ضَالٌّ. فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ!
هَذَا مَا تَذَكَّرْنَاهُ مِنَ التَّنْبِيهِ الَّذِي قُلْنَا إِنَّ الْأُسْتَاذَ قَفَّى بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِنْفَيِ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ بِإِزَاءِ الْقُرْآنِ، وَوَصَلَ بِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) الْآيَاتِ. وَهَاكَ تَفْسِيرَهَا بِالتَّفْصِيلِ.
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) أَقُولُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ افْتَتَحَ هَذِهِ السُّورَةَ بِذِكْرِ كِتَابِهِ الْقُرْآنِ وَكَوْنِهِ حَقًّا لَا رَيْبَ فِيهِ. وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْنَافَ الْبَشَرِ تُجَاهَهُ مِنَ الْمُهْتَدِينَ بِهِ بِالْقُوَّةِ وَبِالْفِعْلِ، وَمِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْهُدَى، وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُذَبْذَبِينَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَفِيهِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُتَفَاوِتُونَ، مِنْهُمُ الْمُسْتَعِدُّ لِلْإِخْلَاصِ فِي الْإِيمَانِ وَمَنْ فَقَدَ الِاسْتِعْدَادَ لَهُ، وَحِكْمَةُ بَيَانِ حَالِ الْمَيْئُوسِ مِنْ إِيمَانِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حُجَّةً عَلَى هِدَايَةِ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
بَعْدَ هَذَا التَّمْهِيدِ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالْآيَاتُ الْأَرْبَعُ بَعْدَهَا مُصَرِّحَاتٍ بِدَعْوَةِ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى الْحَقِّ بِبَيَانِ أُصُولِهِ وَأُسُسِهِ وَهِيَ:
(1) تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ. مَعَ مُلَاحَظَةِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ.
(2) الْقُرْآنُ آيَتُهُ الْكُبْرَى وَدِينُهُ التَّفْصِيلِيُّ.
(3) نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُرْسَلِ بِهَذَا الْقُرْآنِ.
(4) الْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَأَعْمَالِهِ بِالنَّارِ. وَعَلَى الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِهِ بِالْجَنَّةِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست