responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 149
مِنْ أَخْذِ الصَّاعِقَةِ وَنُزُولِ الْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ: فَقْدُ الْحَيَاةِ بِمُفَارَقَةِ الرَّوْحِ لِلْبَدَنِ، وَخَلْقُ اللهِ لَهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْدِيرِهِ، أَوْ عَنْ قَبْضِهِ لِلرُّوحِ وَتَوَفِّيهِ لِلنَّفْسِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) يُرْشِدُنَا فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ الْمَثَلِ وَتَقْرِيرِهِ إِلَى حَالِ مَنْ ضُرِبَ فِيهِمُ الْمَثَلُ لِئَلَّا يُذْهِلَنَا مَا نَتَصَوَّرُهُ مَنْ حَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَنْ حَالِ الْمُشَبَّهِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ، وَهُوَ أَنَّ التَّصَامُمَ وَالْهُرُوبَ مِنْ سَمَاعِ آيَاتِ الْحَقِّ، وَالْحَذَرَ مِنْ صَوَاعِقِ بَرَاهِينِهِ السَّاطِعَةِ أَنْ تَذْهَبَ بِتَقَالِيدِهِمُ الَّتِي يَرَوْنَ حَيَاتَهُمُ الْمَلِيَّةَ مُرْتَبِطَةً بِهَا لَا يُفِيدُهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِهِمْ، وَمُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَعَالَمٌ بِمَا فِي
ضَمَائِرِهِمْ، وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِمْ أَيْنَمَا كَانُوا، وَفِي أَيِّ طَرِيقٍ سَلَكُوا، فَلَا يَهْرُبُونَ مِنْ بُرْهَانٍ إِلَّا وَيُفَاجِئُهُمْ بِرِهَانٌ آخَرُ، كَالْغَرِيقِ يَدْفَعُهُ مَوْجٌ وَيَتَلَقَّاهُ مَوْجٌ حَتَّى يَقْذِفَ بِهِ إِلَى سَاحِلِ النَّجَاةِ، أَوْ يَدْفَعُهُ إِلَى هَاوِيَةِ الْعَدَمِ، وَلِهَذَا قَالَ: (مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) وَلَمْ يَقُلْ: مُحِيطٌ بِهِمْ، أَقُولُ: فَوَضْعُ الِاسْمِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا كَذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرِدُ فِي أَمْثَالِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِالْإِحَاطَةِ هُنَا إِحَاطَةُ الْقُدْرَةِ. فَمَنْ لَمْ يُمِتْهُ بِأَخْذِ الصَّاعِقَةِ أَمَاتَهُ بِغَيْرِهَا، تَنَوَّعَتِ الْأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدٌ. وَالْمُحِيطُ بِالشَّيْءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفُوتَهُ وَيَنْفَلِتَ مِنْ قَبْضَتِهِ.
(يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) إِذَا لَمَعَ الْبَرْقُ بِشِدَّةٍ مُفَاجِئًا مَنْ هُوَ فِي ظُلْمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي بَصَرِهِ تَأْثِيرًا يَكَادُ يَخْطَفُهُ، وَالْخَطْفُ: هُوَ الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ جُزْءًا مِنَ الطَّرِيقِ فَيَمْشِي فِيهِ خُطُوَاتٍ ثُمَّ يَعْتَكِرُ عَلَيْهِ الظَّلَامُ وَتَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ الْمَخَاوِفُ وَالْأَوْهَامُ فَيَقِفُ فِي مَكَانِهِ، أَوْ يَعُودُ الْبَرْقُ إِلَى لَمَعَانِهِ، وَيُحَاكِي هَذَا مِنْ حَالِ الْمُمَثَّلِ بِهِمْ أَنَّهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوهُمُ الدَّاعِي إِلَى أَصْلِ الدِّينِ، وَيُوَضِّحُ لَهُمْ سَبَبَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ الْمُبِينِ، وَيَتْلُو عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَةَ، وَيُقِيمُ لَهُمُ الْحُجَجَ الْقَيِّمَةَ عَلَى أَنَّهُمْ تَنْكَبُّوا الصِّرَاطَ السَّوِيَّ وَأُصِيبُوا بِالدَّاءِ الدَّوِيِّ، يَظْهَرُ لَهُمُ الْحَقُّ فَيَعْزِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَتَسِيرُ أَفْكَارُهُمْ فِي نُورِهِ بَعْضَ خُطُوَاتٍ، وَلَكِنْ لَا يَعْتِمُونَ أَنْ تَعَوُدَ إِلَيْهِمْ عَتَمَةُ التَّقْلِيدِ وَظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ، وَغُبْسَةُ الْأَهْوَاءِ وَالشُّبَهَاتِ. فَتُقَيِّدُ الْفِكْرَ وَإِنْ لَمْ تُقِفْ سَيْرَهُ وَإِنَّمَا تَعُودُ بِهِ إِلَى الْحَيْرَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ ثُمَّ يَتَكَرَّرُ النَّظَرُ فِي تَضَاعِيفِهَا بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَالْإِلْمَامِ. وَفِيهِ: أَنَّهُمْ عَلَى سُوءِ الْحَالِ وَخَطَرِ الْمَآلِ لَمْ تَنْقَطِعْ مِنْهُمُ الْآمَالُ، كَمَا انْقَطَعَتْ مِنْ أَصْحَابِ الْمَثَلِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالصُّمِّ الْبُكْمِ الْعُمْيِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمْ: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) حَتَّى لَا يَنْجَعَ فِيهِمْ وَعْظُ وَاعِظٍ، وَلَا تُفِيدَهُمْ هِدَايَةُ هَادٍ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ ذَهَبَ بِنُورِهِمْ كَمَا ذَهَبَ بِنُورِ أُولَئِكَ وَسَلَبَهُمْ كُلَّ أَنْوَاعِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ فَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ) إِلَخْ رُجُوعٌ إِلَى بَيَانِ حَالِ مَنْ ضُرِبَ فِيهِمُ الْمَثَلُ لَا مِنْ تَتِمَّةِ الْمَثَلِ، وَقَدْ
كَنَّى عَنْهُمْ بِالضَّمِيرِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ قَدْ تَمَّ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) بِالْوَصْفِ الَّذِي اقْتَضَى التَّمْثِيلَ، هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمُفَسِّرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَتِمَّةً لِلْمَثَلِ نَفْسِهِ، وَالْمَقْصُودُ مَنْ ضُرِبَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست