responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 142
التَّقْلِيدِ الْخَبِيثِ، وَعَصَبَ عَيْنَيْهِ شَيْطَانُ الْغُرُورِ، فَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ النُّورُ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ جَوُّ الضَّلَالَةِ بَلْ طَفِئَ فِيهِ نُورُ الْفِطْرَةِ، وَتَعَطَّلَتْ قُوَى الشُّعُورِ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْمَى الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ.
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي فَقَدْ ضَرَبَ اللهُ لَهُ الْمَثَلَ فِي قَوْلِهِ: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ) إِلَخْ، وَهُوَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ بَصِيصٌ مِنَ النُّورِ، فَلَهُ نَظَرَاتٌ تَرْمِي إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْهِدَايَةِ أَحْيَانًا، وَلِمَعَانِي التَّنْزِيلِ لَمَعَانٌ يَسْطَعُ عَلَى نَفْسِهِ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، وَيَأْتَلِقُ فِي نَظَرِهِ الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ عِنْدَمَا تُحَرِّكُهُ الْفِطْرَةُ، أَوْ تَدْفَعُهُ الْحَوَادِثُ لِلنَّظَرِ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ التَّقَالِيدِ وَالْبِدَعِ فِي ظُلُمَاتٍ حَوَالِكَ، وَمِنَ الْخَبْطِ فِيهَا عَلَى حَالٍ لَا تَخْلُو مِنَ الْمَهَالِكِ، وَهُوَ فِي تَخَبُّطِهِ يَسْمَعُ قَوَارِعَ الْإِنْذَارِ الْإِلَهِيِّ وَيَبْرُقُ فِي عَيْنَيْهِ نُورُ الْهِدَايَةِ، فَإِذَا أَضَاءَ لَهُ ذَلِكَ الْبَرْقُ السَّمَاوِيُّ سَارَ، وَإِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ بِشُبَهِ الضَّلَالَاتِ الْغَرَّارَةِ قَامَ وَتَحَيَّرَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيُعْرِضُ عَنْ سَمَاعِ نُذُرِ الْكِتَابِ وَدُعَاةِ الْحَقِّ كَمَنْ يَضَعُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ إِرْشَادَ الْمُرْشِدِ، وَلَا نُصْحَ النَّاصِحِ، يَخَافُ مِنْ تِلْكَ الْقَوَارِعِ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَمِنْ صَوَاعِقِ النُّذُرِ أَنْ تُهْلِكَهُ.
هَذَا هُوَ شَأْنُ فَرِيقَيْ هَذَا الصِّنْفِ بِمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ الْمَثَلَانِ إِجْمَالًا، وَفِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ تَفْصِيلُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ لَفْظَ " الَّذِي " فِي الْجَمْعِ كَلَفْظَيْ " مَا " وَ " مِنْ " وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) (9: 69) وَإِنْ شَاعَ فِي " الَّذِي " الْإِفْرَادُ؛ لِأَنَّ لَهُ جَمْعًا، وَقَدْ رُوعِيَ فِي قَوْلِهِ " اسْتَوْقَدَ " لَفْظُهُ، وَفِي قَوْلِهِ: (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) مَعْنَاهُ، وَالْفَصِيحُ فِيهِ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوَّلًا، وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى آخِرًا. وَالتَّفَنُّنُ فِي إِرْجَاعِ الضَّمَائِرِ مُتَفَرِّعَةً ضَرْبٌ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْبُلَغَاءِ يُقَرِّرُ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ وَيَهَبُهُ فَضْلَ تَمَكُّنٍ وَتَأْكِيدٍ بِمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الرَّوِيَّةِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى الْإِحَاطَةِ بِمَعَانِي الْمُخْتَلِفَاتِ.
أَقُولُ: اسْتَوْقَدَ النَّارَ: طَلَبَ وَقُودَهَا بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ بِمَعْنَى أَوْقَدَهَا وَيَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ طَلَبَ بِإِضْرَامِهَا وَإِيرَائِهَا أَنْ تَقِدَ، يُقَالُ: وَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ وَتَوَقَّدَتْ وَاتَّقَدَتْ وَاسْتَوْقَدَتْ - لَازِمٌ - وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ فِي مُنَافِقِي الْيَهُودِ قَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا بِالْإِجْمَالِ، - وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ - وَأَمَّا مُنَافِقُو الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ مِنْ سُورَتِهِمْ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) (63: 3) الْآيَةَ. فَيُقَالُ فِيهِمْ: مَثَلُهُمْ وَصِفَتُهُمْ فِي إِسْلَامِهِمْ أَوَّلًا وَكُفْرِهِمْ آخِرًا كَمَثَلِ فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ أَوْقَدَ نَارًا لِيَنْتَفِعَ بِهَا فِي لَيْلَةٍ حَالِكَةِ الظَّلَامِ، وَيُبْصِرُ مَا حَوْلَهُ مِمَّا عَسَاهُ يَضُرُّهُ لِيَتَّقِيَهُ أَوْ يَنْفَعَهُ لِيَجْتَنِيَهُ (فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ) يُقَالُ: ضَاءَتِ النَّارُ وَالشَّمْسُ وَأَضَاءَتْ - لَازِمٌ - وَيُقَالُ: ضَاءَ الْمَكَانُ وَأَضَاءَتْهُ النَّارُ، أَيْ أَظْهَرَتْهُ بِضَوْئِهَا، قَالَ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
وَأَنْتَ لَمَّا ظَهَرْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْ ضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 142
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست