responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 118
وَالزُّرَّاعُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) (57: 20) لِأَنَّهُمْ يُغَطُّونَ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ - وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَقَالَ الْفَارَابِيُّ وَتَبِعَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ - وَمِنَ الْمَجَازِ: كُفْرُ النِّعْمَةِ بِعَدَمِ شُكْرِهَا وَذِكْرِهَا تَنْوِيهًا بِهَا، وَكَذَا الْكُفْرُ بِاللهِ أَوْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ، أَوْ كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى، أَيْ إِنْكَارُهُ وَعَدَمُ التَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا الشِّرْكُ فِي عِبَادَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ السِّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ السَّلْبِيَّةِ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَهُوَ مَجَازُ لُغَةٍ، وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا هُنَا مَنْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْكُفْرَ رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الْكُفْرُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ جُحُودِ مَا صَرَّحَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَوْ جُحُودُ الْكِتَابِ نَفْسِهِ، أَوِ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ: مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (بَعْدَمَا بَلَغَتِ الْجَاحِدَ رِسَالَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَاغًا صَحِيحًا، وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا لِيَنْظُرَ فِيهَا فَأَعْرَضَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَحَدَهُ عِنَادًا أَوْ تَسَاهُلًا أَوِ اسْتِهْزَاءً، نَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرَّ فِي النَّظَرِ حَتَّى يُؤْمِنَ وَلَمْ نَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَفَّرَ أَحَدًا بِمَا وَرَاءَ هَذَا، فَمَا عَدَاهُ مِنَ الْأَفَاعِيلِ وَالْأَقَاوِيلِ الْمُخَالِفَةِ لِبَعْضِ مَا أُسْنِدَ إِلَى الدِّينِ وَلَمْ يَصِلِ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ مِنْهُ إِلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ - أَيْ لَمْ يَكُنْ سَنَدُهُ قَطْعِيًّا كَسَنَدِ الْكِتَابِ - فَلَا يُعَدُّ مُنْكِرُهُ كَافِرًا إِلَّا إِذَا قَصَدَ بِالْإِنْكَارِ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَتَى كَانَ لِلْمُنْكِرِ سَنَدٌ مِنَ الدِّينِ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ فَلَا يُكَفَّرُ (وَإِنْ ضَعُفَتْ شُبْهَتُهُ فِي الِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ مَا دَامَ صَادِقَ النِّيَّةِ فِيمَا يَعْتَقِدُ، وَلَمْ يَسْتَهِنْ بِشَيْءٍ مِمَّا ثَبَتَ بِالْقَطْعِ وُرُودُهُ عَنِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يَتَأَوَّلُ بَعْضَ الظَّنِّيَّاتِ، أَوْ يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، أَوْ يُنْكِرُ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، فَجَرَّءُوا النَّاسَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، حَتَّى صَارُوا يُكَفِّرُونَ مَنْ يُخَالِفَهُمْ فِي بَعْضِ الْعَادَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْبِدَعِ الْمَحْظُورَاتِ (ثُمَّ هُمْ عَلَى عَقَائِدِ الْكَافِرِينَ، وَأَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَصِفُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ) .
الْكَافِرُونَ أَقْسَامٌ:
(مِنْهُمْ) مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيُنْكِرُهُ عِنَادًا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَقَلُّونَ
وَلَا ثَبَاتَ لَهُمْ وَلَا قِوَامَ، وَكَانَ مِنْهُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ لَمْ يَلْبَثُوا أَنِ انْقَرَضُوا.
قَالَ الْأُسْتَاذُ: كُنْتُ قُلْتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَلِمَةً جَدِيرَةً بِأَنْ تُحْفَظَ وَهِيَ: " إِنَّ جُحُودَ الْحَقِّ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كَالْيَقِينِ فِي الْعِلْمِ، كِلَاهُمَا قَلِيلٌ فِي النَّاسِ ".

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 118
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست