responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 113
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْيَقِينَ: الْعِلْمُ وَإِزَاحَةُ الشَّكِّ وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ، وَهُوَ نَقِيضُ الشَّكِّ. وَالْعِلْمُ: نَقِيضُ الْجَهْلِ اهـ.
فَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْيَقِينُ اللُّغَوِيُّ فَقَطْ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ، وَلَا مُلَاحَظَةَ طَرَفٍ رَاجِحٍ عَلَى طَرَفٍ مَرْجُوحٍ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الظَّنُّ. وَالْيَقِينُ الْمَنْطِقِيُّ أَكْمَلُ، وَهُوَ مَا بَنَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا مَا يَأْتِي مَبْسُوطًا لَا مُلَخَّصًا، قَالَ مَا مَعْنَاهُ:
(وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ، وَلَمْ يَصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ الطَّائِفَةَ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِالْغَيْبِ وَتَتَوَجَّهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا وَتُنْفِقُ مِمَّا رَزَقَهَا اللهُ، فَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّهَا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قَبْلَ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ مِنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ لَهَا: أَنْ خَرَجَ بِهَا مِنْ غَمَرَاتِ تِلْكَ الْحَيْرَةِ) .
(وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا دُونَ الْيَقِينِ فِي الْإِيمَانِ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي اعْتِقَادِ قَوْمٍ: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (53: 28) وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الظَّانُّ مُوقِنًا وَعَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فِي اعْتِقَادِهِ، فَمَا حَالُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِنَ الشَّاكِينَ وَالْمُرْتَابِينَ؟ وَيُعْرَفُ الْيَقِينُ فِي الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِآثَارِهِ فِي الْأَعْمَالِ) .
(إِنَّنَا نَرَى الرَّجُلَ يَأْتِي إِلَى الْمَحْكَمَةِ بِدَعْوَى زُورٍ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ بِهَا حَقَّ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ أَوْ يُجَامِلَ آخَرَ بِشَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ يَنْتَقِمَ بِهَا مِنْ ثَالِثٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُزَوِّرٌ وَمُبْطِلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ إِنَّ أَمَامَكَ يَوْمًا يَعَضُّ الظَّالِمُ فِيهِ عَلَى يَدَيْهِ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ أَمَامِي يَوْمًا، وَأَنَّ أَمَامِي شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ - يَعْنِي الْقَبْرَ - وَالدُّنْيَا لَا تُغْنِي عَنِ الْآخِرَةِ، وَيَحْلِفُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ أَوْ فِي شَهَادَتِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ مُزَوِّرٌ، وَيُضْطَرُّ إِلَى الِاعْتِرَافِ وَالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، فَكَأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عِنْدَهُ خَيَالٌ يَلُوحُ فِي ذِهْنِهِ عِنْدَمَا يُرِيدُ الْخِلَابَةَ وَالْخِدَاعَ لِأَجْلِ أَكْلِ الْحُقُوقِ أَوْ إِرْضَاءِ الْهَوَى، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي أَعْمَالِهِ وَأَحْوَالِهِ كَأَثَرِ الِاعْتِقَادِ بِبَعْضِ الْمَشَايِخِ الْمَيِّتِينَ، كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ) .
(فَمِثْلُ هَذَا الْإِيمَانِ - وَإِنْ تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ تِلْكَ - لَيْسَ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنَ الْإِيقَانِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ) .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فِي آثَارِ الْيَقِينِ: الْيَقِينُ إِيمَانُكَ بِالشَّيْءِ، وَالْإِحْسَاسُ بِهِ مِنْ طَرِيقِ وِجْدَانِكَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَ بِكَ الْعِلْمُ بِهِ أَنْ صَارَ مَالِكًا لِنَفْسِكَ مُصَرِّفًا لَهَا فِي أَعْمَالِهَا، وَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ مُحَقَّقًا لِلْإِيمَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى تَكُونَ قَدْ أَصَبْتَهُ مِنْ إِحْدَى طَرِيقَتَيْنِ:
(الْأَوْلَى) النَّظَرُ الصَّحِيحُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى النَّظَرِ، كَالْإِيقَانِ بِوُجُودِ اللهِ وَرِسَالَةِ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ بِتَلْخِيصِ الْمُقَدَّمَاتِ، وَالْوُصُولِ بِهَا إِلَى حَدِّ الضَّرُورِيَّاتِ، فَأَنْتَ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى مَا وَصَلْتَ إِلَيْهِ كَأَنَّكَ رَاءٍ مَا اسْتَقَرَّ رَأْيُكَ عَلَيْهِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 113
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست