responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 110
الْعَيْشِ لِضَعْفٍ أَوْ حِرْمَانٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوَصِّلُ إِلَى الرِّزْقِ (أَوْ عَنْ إِحْسَاسٍ بِأَنَّ مَصْلَحَةً مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْفَعَةً مِنْ مَنَافِعِهِمُ الْعَامَّةِ لَا تَقُومُ أَوْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِبَذْلِ الْمَالِ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَلَى مَنْ أُوتِيَ الْمَالَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ السَّبِيلِ وَهُوَ أَفْضَلُ سُبُلِ اللهِ) فَمَنْ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ دَاعِيَةً لِبَذْلِ أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ - وَهُوَ مَالُهُ - ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى وَقِيَامًا بِشُكْرِهِ، وَرَحْمَةً لِأَهْلِ الْعَوَزِ وَالْبَائِسِينَ مِنْ خَلْقِهِ، فَهُوَ لَا شَكَّ مُسْتَعِدٌّ لِقَبُولِ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ أَتَمَّ الِاسْتِعْدَادَ، حَتَّى إِذَا مَا دُعِيَ إِلَيْهِ لَبَّى وَأَجَابَ، وَأَسْلَمَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَأَنَابَ.
فَهَذَا بَيَانُ حَالِ الْفِرْقَةِ الْأَوْلَى مِمَّنْ يَهْتَدِي بِالْقُرْآنِ فِعْلًا، وَيَشْمَلُهَا لَفْظُ الْمُتَّقِينَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَكَانَ مِنْهُمْ بَعْضُ الْعَرَبِ الْحُنَفَاءِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الصُّلَحَاءِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ هُدًى لِهَذِهِ الْفِرْقَةِ أَنَّهَا مُسْتَعِدَّةٌ لِقَبُولِهِ، وَمُهَيَّأَةٌ لِلِاسْتِرْشَادِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الْإِجْمَالِيَّ بِاللهِ وَبِحَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ يُوَفَّى النَّاسُ فِيهَا أُجُورَهُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمُ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، وَاتِّقَاءَ مَا يَحُولُ دُونَ
السَّعَادَةِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ النَّاقِصِ وَالتَّعْلِيمِ الَّذِي لَمْ يَقْتَنِعْ بِهِ الْعَقْلُ، وَلَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَقَدْ هَيَّأَهُمْ لِقَبُولِ الْقُرْآنِ وَأَنْ يَقْتَبِسُوا مِنْ نُورِهِ مَا يَذْهَبُ بِظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْحَيْرَةِ، وَيَمْنَحُ الْأَرْوَاحَ مَا تَتَشَوَّفُ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ.
وَبَعْدَ أَنَّ بَيَّنَ حَالَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ الَّتِي يَكُونُ الْكِتَابُ هُدًى لَهَا (يُخْرِجُهَا مِنْ ظُلُمَاتِ الشَّكِّ إِلَى نُورِ الْيَقِينِ، وَيَنْكُبُ بِهَا عَنْ مَهَابِّ رِيَاحِ الْفِكْرِ إِلَى مُسْتَقَرِّ السِّكِّينَةِ وَمُسْتَكَنِّ الطُّمَأْنِينَةِ، بِمَا تَتَعَرَّفُهُ النَّفْسُ مِنْ جَانِبِ الْقُدُسِ) عَطَفَ عَلَيْهَا بَيَانَ حَالِ الْفِرْقَةِ الَّتِي اهْتَدَتْ بِهِ فِعْلًا، وَصَارَ إِمَامًا لَهَا تَتْبَعُهُ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهَا، دُونَ أَنْ تَغْمُضَ عَيْنُهَا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ أَضَاءَ لَهَا مَا أَضَاءَ مِنْهُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
أَقُولُ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ هُنَا مَنْ يُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَبِالْمُؤْمِنِينَ فِيمَا قَبْلَهَا مَنْ يُؤْمَنُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَآخَرُونَ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَتَيْنِ قِسْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَ مَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، فَالْعَطْفُ فِيهِمَا عَطْفُ الصِّفَاتِ لَا عَطْفُ الْمَوْصُوفِينَ، وَثَمَّ قَوْلٌ ثَالِثٌ شَاذٌّ، وَهُوَ: أَنَّ الْآيَتَيْنِ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَوْلَ شَيْخِنَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ. وَالْمُرَادُ عَلَى كُلِّ رَأْيٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 110
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست