responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 105
وَلَا فِي كَوْنِهِ هَادِيًا مُرْشِدًا، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ فِي قُوَّةِ آيَاتِهِ وَنُصُوعِ بَيِّنَاتِهِ، بِحَيْثُ لَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ مُنْصِفٌ وَغَيْرُ مُتَعَنِّتٍ وَلَا مُتَعَسِّفٍ فِي كَوْنِهِ هِدَايَةً مُفَاضَةً مِنْ سَمَاءِ الْحَقِّ.
مُهْدَاةً إِلَى الْخَلْقِ، عَلَى لِسَانِ أُمِّيٍّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ قَبْلَهُ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ مِنْ عُلُومِهِ، وَلَا الْإِتْيَانُ بِكَلَامٍ يَقْرُبُ مِنْهُ فِي بَلَاغَتِهِ، وَلَا أُسْلُوبِهِ حَتَّى بَعْدَ نُبُوَّتِهِ - وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا (وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأَتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (: 23) وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنْ نَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ وَعُلُومِهِ وَتَأْثِيرِهِ فِي الْهِدَايَةِ - لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوَجَّهَ إِلَيْهِ الشُّبْهَةُ، أَوْ تَحُومَ الرِّيبَةُ، سَوَاءٌ أَشَكَّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَعَمَى بَصِيرَتِهِ، أَوْ بِتَكَلُّفِهِ ذَلِكَ عِنَادًا أَوْ تَقْلِيدًا أَمْ لَا.
(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَالْهُدَى: مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ كَالتُّقَى وَالسُّرَى، وَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ هُنَا: الدَّلَالَةُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مَعَ الْمَعُونَةِ الْخَاصَّةِ وَالْأَخْذِ بِالْيَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ مِنِ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ) لِأَنَّ كَوْنَهُ هَادِيًا لِلْمُتَّقِينَ بِالْفِعْلِ غَيْرُ كَوْنِهِ هَادِيًا - دَالًّا - لِسَائِرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ أَخْذِهِمْ بِدَلَالَتِهِ، وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَكَلِمَةُ (الْمُتَّقِينَ) مِنَ الِاتِّقَاءِ، وَالِاسْمُ: التَّقْوَى، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ: وَقَى يَقِي، وَالْوِقَايَةُ مَعْرُوفَةُ الْمَعْنَى، وَهُوَ: الْبُعْدُ أَوِ التَّبَاعُدُ عَنِ الْمُضِرِّ أَوْ مُدَافَعَتُهُ، وَلَكِنْ نَجِدْ هَذَا الْحَرْفَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ - وَاتَّقُوا اللهَ - فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَمَعْنَى اتِّقَاءِ اللهِ
تَعَالَى اتِّقَاءُ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَإِنَّمَا تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى اللهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا لِأَمْرِ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّقِيَ ذَاتَ اللهِ تَعَالَى وَلَا تَأْثِيرَ قُدْرَتِهِ، وَلَا الْخُضُوعَ الْفِطْرِيَّ لِمَشِيئَتِهِ.
وَمُدَافَعَةُ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَا نَهَى وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْخَوْفِ مِنَ الْعَذَابِ وَمِنَ الْمُعَذِّبِ، فَالْخَوْفُ يَكُونُ ابْتِدَاءً مِنَ الْعَذَابِ وَفِي الْحَقِيقَةِ مِنْ مَصْدَرِهِ، فَالْمُتَّقِي: هُوَ مَنْ يَحْمِي نَفْسَهُ مِنَ الْعِقَابِ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَظَرٌ وَرُشْدٌ يَعْرِفُ بِهِمَا أَسْبَابَ الْعِقَابِ وَالْآلَامِ فَيَتَّقِيهَا.
وَأَقُولُ الْآنَ: إِنَّ الْعِقَابَ الْإِلَهِيَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّقَاؤُهُ قِسْمَانِ: دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُتَّقَى بِاتِّقَاءِ أَسْبَابِهِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: مُخَالَفَةُ دِينِ اللهِ وَشَرْعِهِ، وَمُخَالَفَةُ سُنَّتِهِ فِي نِظَامِ خَلْقِهِ.
فَأَمَّا عِقَابُ الْآخِرَةِ فَيُتَّقَى بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الْخَالِصِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاجْتِنَابِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَفْضَلُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى فَهْمِهِمَا وَاتِّبَاعِهِمَا سِيرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَوَّلِينَ مِنْ آلِ الرَّسُولِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست