responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 10
كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَوَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، مَعَ أَنَّ قُدَمَاءَ رِجَالِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ اغْتَرُّوا بِهِمَا وَعَدَلُوهُمَا. فَكَيْفَ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ مَا تَبَيَّنَ لَنَا مِنْ كَذِبِ كَعْبٍ وَوَهْبٍ وَعَزْوِهِمَا إِلَى التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الرُّسُلِ مَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْهُ وَلَا حَوَّمَتْ حَوْلَهُ؟ ! - وَكَذَا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - يَعْنِي بِخِلَافِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الرِّوَايَةِ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَإِنَّمَا الْوَقْفُ فِيمَا يُنْقَلُ نَقْلًا صَحِيحًا عَنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الَّتِي عِنْدَهُمْ، لَا نُصَدِّقُهُمْ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِمَّا حَرَّفُوا فِيهَا، وَلَا نُكَذِّبُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِمَّا حَفِظُوا مِنْهَا، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: إِنَّهُمْ (أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) .
وَأَنْتَ تَرَى أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّ النَّفْسَ إِلَيْهِ أَسْكُنُ مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ التَّابِعَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ سَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَى مِنَ احْتِمَالِ سَمَاعِهِ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِقِلَّةِ رِوَايَةِ الصَّحَابَةِ عَنْهُمْ، وَهَذَا يَنْقُضُ قَوْلَ مَنْ أَطْلَقَ الْحُكْمَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ الثِّقَةُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالِاسْتِدْلَالِ
بَلْ بِالنَّقْلِ لَهُ حُكْمُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ رَوَوْا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، حَتَّى عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الَّذِي رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنْ كُنَّا لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ " وَمِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَمِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ رَوَى عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْمَعْصُومِ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ الْمَاضِي أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمْثَالِهِ لَا يُقْبَلُ فِي إِثْبَاتِهِ إِلَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَرْفُوعُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذِهِ قَاعِدَةُ الْإِمَامِ ابْنِ جَرِيرٍ الَّتِي يُصَرِّحُ بِهَا كَثِيرًا.
هَذَا وَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لَا يَنْقُضُ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ أَلْبَتَّةَ. وَإِنَّمَا يَعْنِي أَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ لَهُ سَنَدٌ مُتَّصِلٌ، وَمَا صَحَّ سَنَدُهُ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَقِلُّ فِيهِ الْمَرْفُوعُ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ.
وَغَرَضُنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ أَكْثَرَ مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ أَوْ كَثِيرِهِ حِجَابٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَشَاغِلٌ لِتَالِيهِ عَنْ مَقَاصِدِهِ الْعَالِيَةِ الْمُزَكِّيَةِ لِلْأَنْفُسِ، الْمُنَوَّرَةِ لِلْعُقُولِ، فَالْمُفَضِّلُونَ لِلتَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ لَهُمْ شَاغِلٌ عَنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ، الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا سَنَدًا وَلَا مَوْضُوعًا، كَمَا أَنَّ الْمُفَضِّلِينَ لِسَائِرِ التَّفَاسِيرِ لَهُمْ صَوَارِفُ أُخْرَى عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَكَانَتِ الْحَاجَةُ شَدِيدَةً إِلَى تَفْسِيرٍ تَتَوَجَّهُ الْعِنَايَةُ الْأُولَى فِيهِ إِلَى هِدَايَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِي وَصْفِهِ، وَمَا أَنْزَلَ لِأَجْلِهِ مِنَ الْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ، وَهُوَ مَا تَرَى تَفْصِيلَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْمُقْتَبَسَةِ مِنْ دُرُوسِ شَيْخِنَا الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ عَبْدِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَحْسَنَ جَزَاءَهُ - ثُمَّ الْعِنَايَةِ إِلَى مُقْتَضَى حَالِ هَذَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست