responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 373
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ هَذِهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تُعْبَدَ فِيهَا؟ قَالَ: بَلْ مَكَّةُ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْبَغْدَادِيُّونَ فِي ذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ تَقُولُ مَكَّةُ، وَطَائِفَةُ تَقُولُ الْمَدِينَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) الْأَفْئِدَةُ جَمْعُ فُؤَادٍ وَهِيَ الْقُلُوبُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْقَلْبِ بِالْفُؤَادِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنَّ فُؤَادًا قَادَنِي بِصَبَابَةٍ ... إِلَيْكِ عَلَى طُولِ الْمَدَى لَصَبُورُ
وَقِيلَ: جَمْعُ وَفْدٍ، وَالْأَصْلُ أَوْفِدَةٌ، فَقُدِّمَتِ الْفَاءُ وَقُلِبَتِ الْوَاو يَاءً كَمَا هِيَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاجْعَلْ وُفُودًا مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، أَيْ تَنْزِعُ، يُقَالُ: هَوِيَ نَحْوَهُ إِذَا مَالَ، وَهَوَتِ النَّاقَةُ تَهْوِي هَوِيًّا فَهِيَ هَاوِيَةٌ إِذَا عَدَتْ عَدْوًا شَدِيدًا كَأَنَّهَا فِي هَوَاءِ بِئْرٍ، وَقَوْلُهُ:" تَهْوِي إِلَيْهِمْ" مَأْخُوذٌ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: لَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالْهِنْدُ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، وَلَكِنْ قَالَ:" مِنَ النَّاسِ" فَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَوْلُهُ:" تَهْوِي إِلَيْهِمْ" أَيْ تَحِنُّ إِلَيْهِمْ، وَتَحِنُّ إِلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ" تَهْوِي [1] إِلَيْهِمْ" أَيْ تَهْوَاهُمْ وَتُجِلُّهُمْ. (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، وَأَنْبَتَ لَهُمْ بِالطَّائِفِ سَائِرَ الْأَشْجَارِ، وَبِمَا يُجْلَبُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْصَارِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ:" فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا [2] فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ! قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عِيشَتُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ: قَالَتْ: أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لنا. قال:

[1] قال الألوسي: مضارع هوى بمعنى أحب عدى بإلى.
[2] أي كأنه أبصر وراي شيئا لم يعهده.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 373
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست