responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 302
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:" طَوْعاً" مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً، وَ" كَرْهاً" مَنْ دَخَلَ فِيهِ رَهْبَةً بِالسَّيْفِ. وَقِيلَ:" طَوْعاً" مَنْ طَالَتْ مُدَّةُ إِسْلَامِهِ فَأَلِفَ السُّجُودَ، وَ" كَرْهاً" مَنْ يُكْرِهُ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى" وَالْأَرْضِ" وَبَعْضُ مَنْ فِي الْأَرْضِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَفِي الْآيَةِ مَسْلَكَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهَا عَامَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا التَّخْصِيصُ، فَالْمُؤْمِنُ يَسْجُدُ طَوْعًا، وَبَعْضُ الْكُفَّارِ يَسْجُدُونَ إِكْرَاهًا وَخَوْفًا كَالْمُنَافِقِينَ، فَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، مِنْهُمْ مَنْ يَسْجُدُ طَوْعًا لَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَثْقُلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْتِزَامَ التَّكْلِيفِ مَشَقَّةٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ الْمَشَقَّةَ إِخْلَاصًا وَإِيمَانًا، إِلَى أَنْ يَأْلَفُوا الْحَقَّ وَيَمْرُنُوا عَلَيْهِ. وَالْمَسْلَكُ الثَّانِي- وَهُوَ الصَّحِيحُ- إِجْرَاءُ الْآيَةِ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَعَلَى هَذَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْجُدُ طَوْعًا، وأما الكافر فمأمور: السجود مُؤَاخَذٌ بِهِ. وَالثَّانِي- وَهُوَ الْحَقُّ- أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْجُدُ بِبَدَنِهِ طَوْعًا، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ يَسْجُدُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، يَسْجُدُ دَلَالَةً وَحَاجَةً إِلَى الصَّانِعِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ:" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" [1] [الإسراء: 44] وَهُوَ تَسْبِيحُ دَلَالَةٍ لَا تَسْبِيحُ عِبَادَةٍ. (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أَيْ ظِلَالُ الْخَلْقِ سَاجِدَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، لِأَنَّهَا تَبِينُ فِي هَذَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَتَمِيلُ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ تَصْرِيفُ اللَّهِ إِيَّاهَا عَلَى مَا يَشَاءُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ" [النحل: 48] قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ظِلُّ الْمُؤْمِنِ يَسْجُدُ طَوْعًا وَهُوَ طَائِعٌ، وَظِلُّ الْكَافِرِ يَسْجُدُ كَرْهًا وَهُوَ كَارِهٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُجْعَلُ لِلظِّلَالِ عُقُولٌ تَسْجُدُ بِهَا وَتَخْشَعُ بِهَا، كَمَا جُعِلَ لِلْجِبَالِ أَفْهَامٌ حَتَّى خَاطَبَتْ وَخُوطِبَتْ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فِي هَذَا نَظَرَ، لِأَنَّ الْجَبَلَ عَيْنٌ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَقْلٌ بِشَرْطِ تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا الظِّلَالُ فَآثَارٌ وَأَعْرَاضٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيرُ الْحَيَاةِ لَهَا، وَالسُّجُودُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ، فَسُجُودُ الظِّلَالِ مَيْلُهَا مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، يقال: سجدت النخلة أي مالت. والْآصالِ جَمْعُ أُصُلٍ، وَالْأُصُلُ جَمْعُ أَصِيلٍ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ أَصَائِلُ جَمْعُ الْجَمْعُ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ:
لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ ... وَأَقْعُدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالْأَصَائِلِ

[1] راجع ج 10 ص 266 وص 111.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 302
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست