responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 275
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) إِلَى مَصَارِعِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِأَنْبِيَائِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الدَّارَ هِيَ الْآخِرَةُ، وَأُضِيفَ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ، كَيَوْمِ الْخَمِيسِ، وَبَارِحَةِ الْأُولَى، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ [1] ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ الْيَقِينِ
أَيْ عِرْفَانًا يَقِينًا، وَاحْتَجَّ الْكِسَائِيُّ بِقَوْلِهِمْ: صَلَاةُ الْأُولَى، وَاحْتَجَّ الْأَخْفَشُ بِمَسْجِدِ الْجَامِعِ. قَالَ النَّحَّاسُ: إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُضَافُ الشَّيْءُ إِلَى غَيْرِهِ لِيَتَعَرَّفَ بِهِ، وَالْأَجْوَدُ الصَّلَاةُ الْأُولَى، وَمَنْ قَالَ صَلَاةُ الْأُولَى فَمَعْنَاهُ: عِنْدَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا صُلِّيَ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا أُظْهِرَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا أَيْضًا الظُّهْرُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَدَارُ الْحَالِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الدَّارِ الْجَنَّةُ، أي هي خير للمتقين. وقرى:" وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ". وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ وَغَيْرُهُمْ (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) تَقَدَّمَ الْقِرَاءَةُ فِيهِ وَمَعْنَاهُ [2]. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) وهذه الْآيَةُ فِيهَا تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ وَعِصْمَتُهُمْ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِمْ. وَهَذَا الْبَابُ عَظِيمٌ، وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، يَنْبَغِي الْوُقُوفُ، عَلَيْهِ لِئَلَّا يَزِلَّ الْإِنْسَانُ فَيَكُونُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. الْمَعْنَى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا رِجَالًا ثُمَّ لَمْ نُعَاقِبْ أُمَمَهُمْ بِالْعَذَابِ [3]." حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ" أَيْ يَئِسُوا مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ." وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا" بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ أَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: حَسِبُوا أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ كَذَّبُوهُمْ، لَا أَنَّ الْقَوْمَ كَذَّبُوا، وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ ظَنُّوا وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، أَيْ خَافُوا أَنْ يَدْخُلَ قُلُوبَ أَتْبَاعِهِمْ شَكٌّ، فَيَكُونُ" وَظَنُّوا" عَلَى بَابِهِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَخَلَفٌ" كُذِبُوا" بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ ظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوا به من العذاب،

[1] وفى رواية:" فإنك لو حللت ديار عبس" في ع وك وى: عرفت الدار.
[2] راجع ص 241 من هذا الجزء.
[3] من ع وح الجمل عن القرطبي. وفى اوح وك ى: بالعقاب.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 275
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست