responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 168
وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مَعَ النُّبُوَّةِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:" تَكُونُ فِي دِيوَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَفْعَلُ فِعْلَ السُّفَهَاءِ". فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْعِدَّةُ بِالنُّبُوَّةِ فِيمَا بَعْدُ. قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ [هذا [1]] التفصيل صحيح، لكن قول تعالى:" وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ" [يوسف: 15] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ نَبِيًّا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَمُّ الَّذِي هَمَّ بِهِ مَا يَخْطِرُ فِي النَّفْسِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الصَّدْرِ، وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ فِيهِ الْمُؤَاخَذَةَ عَنِ الْخَلْقِ، إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى دَفْعِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ:" وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي" [يوسف: 53]- إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ- أَيْ مِنْ هَذَا الْهَمِّ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ وَالِاعْتِرَافِ، لِمُخَالَفَةِ النَّفْسِ لِمَا زُكِّيَ بِهِ قَبْلُ وَبُرِّئَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ يُوسُفَ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ فَقَالَ:" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً" [يوسف: 22] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ، وَوَصْفُهُ صَحِيحٌ، وَكَلَامُهُ حَقٌّ، فَقَدْ عَمِلَ يوسف بما علمه الله من تحريم الزنى وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَخِيَانَةِ السَّيِّدِ وَالْجَارِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي أَهْلِهِ، فَمَا تَعَرَّضَ لِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَلَا أَجَابَ إِلَى الْمُرَاوَدَةِ، بَلْ أَدْبَرَ عَنْهَا وَفَرَّ مِنْهَا، حِكْمَةً خُصَّ بِهَا، وَعَمَلًا بِمُقْتَضَى مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاي"»
. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْبِرًا عَنْ رَبِّهِ:" إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً". فَإِنْ كَانَ مَا يَهُمُّ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ السَّيِّئَةِ يُكْتَبُ لَهُ بِتَرْكِهَا حَسَنَةً فَلَا ذَنْبَ، وَفِي الصَّحِيحِ:" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ،- وَأَيُّ إِمَامٍ- يُعْرَفُ بِابْنِ عَطَاءٍ! تَكَلَّمَ يَوْمًا عَلَى يُوسُفَ وَأَخْبَارِهِ حَتَّى ذَكَرَ تَبْرِئَتَهُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ مَكْرُوهٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ آخِرِ مَجْلِسِهِ وَهُوَ مَشْحُونٌ بِالْخَلِيقَةِ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ فَقَالَ: يَا شَيْخُ! يَا سَيِّدَنَا! فَإِذًا يُوسُفُ هَمَّ وَمَا تَمَّ؟ قَالَ: نَعَمْ! لِأَنَّ الْعِنَايَةَ مِنْ ثَمَّ. فَانْظُرْ إِلَى حَلَاوَةِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَانْظُرْ إِلَى فِطْنَةِ العامي في سؤاله،

[1] من ع.
(2). من جراى: أي من أجلى، وفى نسخة من صحيح مسلم" من جرائي".
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست