responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 81
قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أَيْ يُوَسِّعْهُ لَهُ، وَيُوَفِّقْهُ وَيُزَيِّنْ عِنْدَهُ ثَوَابَهُ. وَيُقَالُ: شَرَحَ شَقَّ، وَأَصْلُهُ التَّوْسِعَةُ. وَشَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ وَسَّعَهُ بِالْبَيَانِ لِذَلِكَ. وشرحت الأمر: بنته وَأَوْضَحْتُهُ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَشْرَحُ النِّسَاءَ شَرْحًا، وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ: مِنَ التَّوْسِعَةِ وَالْبَسْطِ، وَهُوَ وَطْءُ الْمَرْأَةِ مُسْتَلْقِيَةً عَلَى قَفَاهَا. فَالشَّرْحُ: الْكَشْفُ، تَقُولُ: شَرَحْتُ الْغَامِضَ، وَمِنْهُ تَشْرِيحُ اللَّحْمِ. قَالَ الرَّاجِزُ:
كَمْ قَدْ أَكَلْتَ كَبِدًا وَإِنْفَحَهْ ... ثُمَّ ادَّخَرْتَ إِلَيْهِ مُشَرَّحَهْ
وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَرِيحَةٌ. وَكُلُّ سَمِينٍ مِنَ اللَّحْمِ مُمْتَدٍّ فَهُوَ شَرِيحَةٌ. (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) يُغْوِيَهُ (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِشَرْحِ الصَّدْرِ وَتَنْوِيرِهِ. وَالدِّينُ الْعِبَادَاتُ، كَمَا قَالَ:" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «[1]» " وَدَلِيلُ خِطَابِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ضَيَّقَ صَدْرَهُ، وَأَبْعَدَ فَهْمَهُ فَلَمْ يُفَقِّهْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ يَدْخُلُ الْقَلْبَ نُورٌ) فَقَالَ: وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَةٍ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ). وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ" ضَيْقًا" بِالتَّخْفِيفِ، مِثْلُ [2] هَيْنٍ وَلَيْنٍ لُغَتَانِ. وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ" حَرَجاً" بِالْكَسْرِ، وَمَعْنَاهُ الضِّيقُ. كَرَّرَ [3] الْمَعْنَى، وَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ. وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ. جَمْعُ حَرَجَةٍ، وَهُوَ شِدَّةُ الضِّيقِ أَيْضًا، وَالْحَرَجَةُ الْغَيْضَةُ [4]، وَالْجَمْعُ حِرَجٌ وَحَرَجَاتٌ. وَمِنْهُ فُلَانٌ يَتَحَرَّجُ أَيْ يُضَيِّقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَرْكِهِ هواه للمعاصي، قال الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرَجُ مَوْضِعُ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ، فَكَأَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ كَمَا لَا تَصِلُ الرَّاعِيَةُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي الْتَفَّ شَجَرُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، ذَكَرَهُ مكي والثعلبي وغيرهما. وكل ضيق حرج. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَكَانٌ حَرِجٌ وَحَرَجٌ أَيْ ضَيِّقٌ كثير الشجر لا تصل إليه

[1] راجع ج 4 ص 43.
[2] في ك: عين.
[3] الأولى أن يكون حرجا: المتزايد في الضيق فيكون أخص من الأول.
[4] الشجر الملتف.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 81
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست