responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 323
إِنَّمَا شَبَّهَهُ بِالْكَلْبِ مِنْ بَيْنِ السِّبَاعِ لِأَنَّ الْكَلْبَ مَيِّتُ الْفُؤَادِ، وَإِنَّمَا لُهَاثُهُ لِمَوْتِ فُؤَادِهِ. وَسَائِرُ السِّبَاعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَا يَلْهَثْنَ. وَإِنَّمَا صَارَ الْكَلْبُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَرْضِ شَمِتَ بِهِ الْعَدُوُّ، فَذَهَبَ إِلَى السِّبَاعِ فَأَشْلَاهُمْ [1] عَلَى آدَمَ، فَكَانَ الْكَلْبُ مِنْ أَشَدِّهِمْ طَلَبًا. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْعَصَا الَّتِي صُرِفَتْ إِلَى مُوسَى بِمَدْيَنَ وَجَعَلَهَا آيَةً لَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَجَعَلَ فِيهَا سُلْطَانًا عَظِيمًا وَكَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ، فَأَعْطَاهَا آدَمَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ [2]) لِيَطْرُدَ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَرَهُ فِيمَا رُوِيَ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْكَلْبِ وَيَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَلِفَهُ الْكَلْبُ وَمَاتَ الْفُؤَادُ مِنْهُ لِسُلْطَانِ الْعَصَا، وَأَلِفَ بِهِ وَبِوَلَدِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَصَارَ حَارِسًا مِنْ حُرَّاسِ وَلَدِهِ. وَإِذَا أُدِّبَ وَعُلِّمَ الِاصْطِيَادَ تَأَدَّبَ وَقَبِلَ التَّعْلِيمَ [3]، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:" تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ «[4]» ". السُّدِّيُّ: كَانَ بَلْعَامُ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ. وَهَذَا الْمَثَلُ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ فِي كُلِّ مُنَافِقٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ" أَيْ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ بِدَابَّتِكَ أَوْ بِرِجْلِكَ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا شَرُّ تَمْثِيلٍ، لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ حَتَّى صَارَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا بِكَلْبٍ لَاهِثٍ أَبَدًا، حُمِلَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ تَرْكَ اللَّهَثَانِ. وَقِيلَ: مِنْ أَخْلَاقِ الْكَلْبِ الْوُقُوعُ بِمَنْ لَمْ يُخِفْهُ عَلَى جِهَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْجَفَاءِ، ثُمَّ تَهْدَأُ طَائِشَتُهُ بِنَيْلِ كُلِّ عِوَضٍ [5] خَسِيسٍ. ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِي قَبِلَ الرِّشْوَةَ فِي الدِّينِ حَتَّى انْسَلَخَ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ. فَدَلَّتِ الْآيَةُ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا عَلَى أَلَّا يَغْتَرَّ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ وَلَا بِعِلْمِهِ، إِذْ لَا يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ. وَدَلَّتْ عَلَى مَنْعِ أَخْذِ الرِّشْوَةِ لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَغْيِيرِهِ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي" الْمَائِدَةِ «[6]» ". وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى مَنْعِ التَّقْلِيدِ لِعَالِمٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ يُبَيِّنُهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْطَى هَذَا آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَخَافَ مِثْلَ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ وَأَلَّا يَقْبَلَ مِنْهُ إِلَّا بِحُجَّةٍ.

[1] الإشلاء: الإغراء.
[2] من ع، ى. [ ..... ]
[3] في ع: وصار ذا أدب وعلم.
[4] راجع ج 6 ص 65 وص 183.
[5] في ع: غرض.
[6] راجع ج 6 ص 65 وص 183.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 323
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست