responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 276
هَارُونَ، فَلَمَّا فَصَلَ»
مُوسَى إِلَى رَبِّهِ زَادَهُ اللَّهُ عَشْرًا، فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي الْعَشْرِ الَّتِي زَادَهُ اللَّهُ بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. ثُمَّ الزِّيَادَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَجَلِ تَكُونُ مُقَدَّرَةً، كَمَا أَنَّ الْأَجَلَ مُقَدَّرٌ. وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ مِنَ الْحَاكِمِ بَعْدَ النَّظَرِ إِلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمْرِ: مِنْ وَقْتٍ وَحَالٍ وَعَمَلٍ، فَيَكُونُ مِثْلَ ثُلُثِ الْمُدَّةِ السَّالِفَةِ، كَمَا أَجَّلَ اللَّهُ لِمُوسَى. فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الْأَصْلَ فِي الْأَجَلِ وَالزِّيَادَةَ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ التَّرَبُّصِ بَعْدَهَا لِمَا يَطْرَأُ مِنَ الْعُذْرِ عَلَى الْبَشَرِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. رَوَى الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً [2]. قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا أَصْلٌ لِإِعْذَارِ الْحُكَّامِ إِلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَكَانَ هَذَا لُطْفًا بِالْخَلْقِ، وَلِيَنْفُذَ الْقِيَامُ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ. يُقَالُ: أَعْذَرَ فِي الْأَمْرِ أَيْ بَالَغَ فِيهِ، أَيْ أَعْذَرَ غَايَةَ الْإِعْذَارِ الَّذِي لَا إِعْذَارَ بَعْدَهُ. وَأَكْبَرُ الْإِعْذَارِ إِلَى بَنِي آدَمَ بَعْثَةُ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ لِتَتِمَّ حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ،" وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «[3]» ". وَقَالَ" وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ «[4]» " قِيلَ: هُمُ الرُّسُلُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الشَّيْبُ. فَإِنَّهُ يَأْتِي فِي سِنِّ الِاكْتِهَالِ، فَهُوَ عَلَامَةٌ لِمُفَارَقَةِ سِنِّ الصِّبَا. وَجَعَلَ السِّتِّينَ غَايَةَ الْإِعْذَارِ لِأَنَّ السِّتِّينَ قَرِيبٌ مِنْ مُعْتَرَكِ الْعِبَادِ، وَهُوَ سِنُّ الْإِنَابَةِ وَالْخُشُوعِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ، وَتَرَقُّبِ الْمَنِيَّةِ وَلِقَاءِ اللَّهِ، فَفِيهِ إِعْذَارٌ بَعْدَ إِعْذَارٍ [5]. الْأَوَّلُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالثَّانِي بِالشَّيْبِ، وَذَلِكَ عِنْدَ كَمَالِ الْأَرْبَعِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ «[6]» ". فَذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَدْ آنَ لَهُ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ وَيَشْكُرَهَا [7]. قَالَ مَالِكٌ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا وَيُخَالِطُونَ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ لِأَحَدِهِمْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِمُ اعْتَزَلُوا النَّاسَ. الثَّالِثَةُ- وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّارِيخَ يَكُونُ بِاللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" ثَلاثِينَ لَيْلَةً" لِأَنَّ اللَّيَالِيَ أَوَائِلُ الشُّهُورِ. وَبِهَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ الله عنهم تخبر عن

(1). فصل: خرج.
[2] أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر.
[3] راجع ج 10 ص 231.
[4] راجع ج 14 ص 351.
[5] في ب: وإنذار بعد إنذار.
[6] راجع ج 16 ص 194.
[7] كذا في ج وك وهو الصواب. وفى أوب وز وى يشكرهما.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 276
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست