responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 135
وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ حَالِ الْيَتِيمِ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ" مُقَيَّدَةً، فَقَالَ:" وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً «[1]» " فَجَمَعَ بَيْنَ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَهُوَ بُلُوغُ النِّكَاحِ، وَبَيْنَ قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ إِينَاسُ الرُّشْدِ، فَلَوْ مُكِّنَ الْيَتِيمُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَبَعْدَ حُصُولِ الْقُوَّةِ لَأَذْهَبَهُ فِي شَهْوَتِهِ وَبَقِيَ صُعْلُوكًا لَا مَالَ لَهُ. وَخُصَّ الْيَتِيمُ بِهَذَا الشَّرْطِ لغفلة الناس عنه وافتقاد الآباء لأبنائهم فَكَانَ الِاهْتِبَالُ [2] بِفَقِيدِ الْأَبِ أَوْلَى. وَلَيْسَ بُلُوغُ الْأَشُدِّ مِمَّا يُبِيحُ قُرْبَ مَالِهِ بِغَيْرِ الْأَحْسَنِ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْبَالِغِ ثَابِتَةٌ. وَخُصَّ الْيَتِيمُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ خَصْمَهُ اللَّهُ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عَلَى الْأَبَدِ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، فَإِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَشُدِّ الْيَتِيمِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بُلُوغُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. بُلُوغُهُ وَإِينَاسُ رُشْدِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَعَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا وَلَا نَظَرًا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ نَقْلًا، وَهُوَ يُثْبِتُهَا بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَلَكِنَّهُ سَكَنَ دَارَ الضَّرْبِ فَكَثُرَ عِنْدَهُ الْمُدَلِّسُ، وَلَوْ سَكَنَ الْمَعْدِنَ كَمَا قَيَّضَ اللَّهُ لِمَالِكٍ لِمَا صَدَرَ عَنْهُ إِلَّا إِبْرِيزُ الدِّينِ [3]. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ انْتِهَاءَ الْكُهُولَةِ فِيهَا مُجْتَمَعُ الْأَشُدِّ، كَمَا قَالَ سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ:
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٍ أَشُدِّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ «4»

يُرْوَى" نَجَّدَنِي" بِالدَّالِ وَالذَّالِ. وَالْأَشُدُّ وَاحِدٌ لَا جَمْعَ لَهُ، بِمَنْزِلَةِ الْآنُكِ وَهُوَ الرَّصَاصُ. وَقَدْ قِيلَ: وَاحِدُهُ شَدَّ، كَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ. وَأَصْلُهُ مِنْ شَدَّ النَّهَارُ أَيِ ارْتَفَعَ، يُقَالُ: أَتَيْتُهُ شَدَّ النَّهَارِ وَمَدَّ النَّهَارِ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الضَّبِّيِّ يُنْشِدُ بَيْتَ عَنْتَرَةَ:
عَهْدِي به النهار كأنما ... خضب اللبان ورأسه بالعظلم «5»

[1] راجع ج 5 ص 33.
[2] الاهتبال: اغتنام الفرضة وابتغاءها وتكسبها: أي الاشتغال بشأن اليتيم أولى.
[3] في ك: المذهب وفى ز: الذهب. يريد بدار الضرب: بغداد. والمعدن.: معدن الشريعة ومنجمها المدينة المنورة.
(4). رجل منجد (بالدال والذال): جرب الأمور وعرفها وأحكمها. ومداورة الشئون: مداوتة الأمور ومعالجتها.
(5). اللبان (بفتح اللام): الصدر. وفي ع:" البنان" وهى رواية. والعظلم (بكسر العين واللام وسكون الظاء): صبغ أحمر وقيل: هو الوسمة د، شجر له ورق يختضب به.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 7  صفحة : 135
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست