اسم الکتاب : تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل المؤلف : الخازن الجزء : 1 صفحة : 263
الله، وما بذلك بعثني فأنزل الله هذه الآية ما كان لبشر أي ما ينبغي لبشر وهو جميع بني آدم لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط ويوضع موضع الواحد والجمع أن يؤتيه الله الكتاب والحكم يعني الفهم والعلم، وقيل هو إمضاء الحكم من الله تعالى والنبوة يعني المنزلة الرفيعة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ومعنى الآية أنه لا يجتمع لرجل نبوة مع القول للناس كونوا عبادا لي من دون الله وكيف يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله وقد أتاه الله ما أتاه من الكتاب والحكم والنبوة وذلك أن الأنبياء موصون بصفات لا يحصل معها ادعاء الإلهية والربوبية منها إن الله تعالى أتاهم الكتب السماوية، ومنها إيتاء النبوة ولا يكون إلّا بعد كمال العلم وكل هذه تمنع من هذه الدعوى وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ يعني ولكن يقول لهم كونوا ربانيين فأضمر القول على حسب مذهب العرب في جواز الإضمار إذا كان في الكلام ما يدل عليه، واختلفوا في معنى الرباني فقال ابن عباس: معناه كونوا فقهاء علماء وعنه كونوا فقهاء معلمين وقيل معناه حكماء حكماء، وقيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم وكباره وقيل الرباني العالم الذي يعمل بعلمه، وقيل الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي وقيل الرباني الذي جمع بين علم البصيرة والعلم بسياسة الناس، ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمد بن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الأمة قال سيبويه: الرباني المنسوب إلى الرب بمعنى كونه عالما به ومواظبا على طاعته وزيادة الألف والنون فيه للدلالة على كمال هذه الصفة وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم واحدهم ربان وهو الذي يربى العلم ويربي الناس أي يعلمهم وينصحهم والألف والنون للمبالغة فعلى قول سيبويه الرباني منسوب إلى الرب على معنى التخصيص بمعرفة الرب وطاعته، وعلى قول المبرد الرباني مأخوذ من التربية. وقيل الربانيون
هم ولاة الأمر والعلماء وهما الفريقان اللذان يطاعان ومعنى الآية على هذا التأويل لا أدعوكم إلى أن تكونوا عبادا لي ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا وعلماء ومعلمين الناس الخير ومواظبين على طاعة الله وعبادته. وقال أبو عبيدة: أحسب أن هذه الكلمة ليست عربية إنما هي عبرانية أو سريانية وسواء كانت عربية أو عبرانية فهي تدل على الذي علم وعمل بما علم وعلم الناس طريق الخير. وقوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ أي كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين ومعلمين وبسبب دراستكم الكتاب، فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا فمن اشتغل بالعلم والتعليم لا لهذا المقصود ضاع علمه وخاب سعيه. قوله عز وجل:
[سورة آل عمران (3): الآيات 80 الى 81]
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)
وَلا يَأْمُرَكُمْ قرئ بنصب الراء عطفا على قوله ثم يقول: فيكون مردودا على البشر وقيل على إضمار أن أي ولا أن يأمركم، وقرئ برفع الراء على الاستئناف وهو ظاهر ومعناه ولا يأمركم الله وقيل لا يأمركم محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل ولا يأمركم عيسى وقيل ولا يأمركم الأنبياء أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً يعني كفعل قريش والصابئين حيث قالوا الملائكة بنات الله وكفعل اليهود والنصارى حيث قالوا في المسيح والعزير ما قالوا وإنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا بعبادة غير الله عز وجل من أهل الكتاب لم يحك عنهم إلّا عبادة الملائكة وعبادة المسيح وعزير، فلهذا المعنى خصهم بالذكر أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إنما قاله على طريق التعجب والإنكار، يعني لا يقول هذا ولا يفعله.
قوله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ قال الزجاج: موضع إذ نصب والمعنى واذكر في أقاصيصك إذ أخذ
اسم الکتاب : تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل المؤلف : الخازن الجزء : 1 صفحة : 263