responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 90
يَأْخُذُونَهُ بِمُجَرَّدِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ فَيَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ كَمَا كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مع علمه بسوء اعْتِقَادِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ [1] : وَهِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ مالك، نص على هذا محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وعن ابن الماجشون. ومنها ما قال مالك: إِنَّمَا كَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْتُلُ بِعِلْمِهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، قَالَ: وَمِنْهَا مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِنِفَاقِهِمْ لِأَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ يَجُبُّ [2] مَا قَبْلَهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [3] وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَهَا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهَا وَجَدَ ثَوَابَ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهَا لَمْ ينفعه جَرَيَانُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَكَوْنُهُ كَانَ خَلِيطَ أَهْلِ الْإِيمَانِ يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى، وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ، وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ [الْحَدِيدِ: 14] فَهُمْ يُخَالِطُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَحْشَرِ فَإِذَا حَقَّتِ الْمَحْقُوقِيَّةُ تَمَيَّزُوا مِنْهُمْ وَتَخَلَّفُوا بَعْدَهُمْ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سَبَأٍ: 54] وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُمْ كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يقتلهم لأنه لا يخاف من شرهم مع وجوده صلّى الله عليه وسلم بين أظهرهم يتلو عليهم آيات مُبَيِّنَاتٍ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقْتَلُونَ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ وَعَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ مَالِكٌ: الْمُنَافِقُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الزِّنْدِيقُ الْيَوْمَ [4] (قُلْتُ) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَتْلِ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَ الْكُفْرَ هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً أَمْ لَا، أَوْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ ارْتِدَادُهُ أَمْ لَا، أَوْ يَكُونُ إِسْلَامُهُ وَرُجُوعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ؟ على أقوال متعددة مَوْضِعُ بَسْطِهَا وَتَقْرِيرِهَا وَعَزْوِهَا كِتَابُ الْأَحْكَامِ.
[تَنْبِيهٌ] قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَعْلَمُ أَعْيَانَ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، إِنَّمَا مُسْتَنَدُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فِي تَسْمِيَةِ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مُنَافِقًا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَلْمَاءِ اللَّيْلِ عِنْدَ عَقَبَةٍ هُنَاكَ، عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُنْفِرُوا بِهِ النَّاقَةَ لِيَسْقُطَ عَنْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَمْرَهُمْ، فَأَطْلَعَ عَلَى ذَلِكَ حُذَيْفَةَ وَلَعَلَّ الْكَفَّ عَنْ قَتْلِهِمْ كَانَ لمدرك من هذه

[1] ما يأتي من قول ابن عطية ومالك والشافعي هو أيضا نقل عن القرطبي في تفسيره 1/ 199.
[2] جبّ الشيء: قطعه. ومنه الحديث: «إن الإسلام يجبّ ما قبله» .
[3] أخرجه البخاري (إيمان باب 17؟ وزكاة باب 1 وصلاة باب 28 واستتابة باب 3) ومسلم (إيمان حديث 32 وزكاة حديث 1 وجهاد حديث 1) والترمذي (إيمان باب 1 و 2 وتفسير سورة 88) والنسائي (زكاة باب 3 وإيمان باب 15) وابن ماجة (مقدمة باب 9 وفتن باب 1) .
[4] عبارة القرطبي: قال مالك: النفاق في عهد رسول الله هو الزندقة فينا اليوم فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة وهو أحد قولي الشافعي. [.....]
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 90
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست