responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 548
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ عادَ أَيْ إِلَى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عَنْهُ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ [1] : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَمْ يَذْرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ خُثَيْمٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ [2] مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمُزَابَنَةُ: وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سَنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثِلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوُتِ نَظَرِهِمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ تعالى:
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا [3] - يَعْنِي بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا- وَالشَّرِيعَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ كُلَّ حَرَامٍ فَالْوَسِيلَةُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، كَمَا أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الحلال بين والحرام بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبَهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» وَفِي السُّنَنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَتْ فِيهِ النَّفْسُ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» وَفِي رِوَايَةٍ «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم

[1] سنن أبي داود (بيوع باب 33) .
[2] أي أن يعطي المالك الفلاح أرضا يزرعها على بعض ما يخرج منها كالثلث أو الربع.
[3] رواه البخاري (أشربة باب 5) ومسلم (تفسير حديث 33) وأبو داود (أشربة باب 1) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 548
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست