responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 526
الْمَقَامِ، بُهِتَ، أَيْ أُخْرِسَ، فَلَا يَتَكَلَّمُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أَيْ لَا يُلْهِمُهُمْ حُجَّةً وَلَا بُرْهَانًا، بَلْ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ، وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَهَذَا التَّنْزِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَنْطِقِيِّينَ، أَنَّ عُدُولَ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ إِلَى الْمَقَامِ الثَّانِي انْتِقَالٌ مِنْ دَلِيلٍ إِلَى أَوْضَحَ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ يُطْلِقُ عبارة رديّة ترديه وَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ، بَلِ الْمَقَامُ الْأَوَّلُ يَكُونُ كالمقدمة للثاني، ويبين بطلان ما ادعاه نمرود فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ كَانَتْ بَيْنَ إبراهيم ونمرود بَعْدَ خُرُوجِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ يَكُنِ اجْتَمَعَ بِالْمَلِكِ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم أن النمرود كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَكَانَ النَّاسُ يَغْدُونَ إِلَيْهِ لِلْمِيرَةِ، فَوَفِدَ إِبْرَاهِيمُ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَفِدَ لِلْمِيرَةِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ، وَلَمْ يُعْطِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الطَّعَامِ كَمَا أَعْطَى النَّاسَ، بَلْ خَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِهِ، عَمَدَ إِلَى كَثِيبٍ مِنَ التُّرَابِ فَمَلَأَ مِنْهُ عِدْلَيْهِ، وَقَالَ: أَشْغَلُ أَهْلِي عَنِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ وَضَعَ رِحَالَهُ، وَجَاءَ فَاتَّكَأَ فَنَامَ، فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ سَارَّةُ إِلَى الْعِدْلَيْنِ فَوَجَدَتْهُمَا مَلْآنَيْنِ طَعَامًا طَيِّبًا، فَعَمِلَتْ طَعَامًا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ وَجَدَ الَّذِي قَدْ أصلحوه، فقال: أنى لك هذا؟ قالت: من الذي جئت به، فعلم أنه رزق رزقهم اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: وَبَعَثَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ مَلَكَا، يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ بِالْلَّهِ، فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَبَى ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَأَبَى، وَقَالَ: اجْمَعْ جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جَيْشَهُ وَجُنُودَهُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ الْبَعُوضِ بِحَيْثُ لَمْ يَرَوْا عَيْنَ الشَّمْسِ، وَسَلَّطَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَكَلْتُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، وَتَرَكَتْهُمْ عِظَامًا بَادِيَةً، وَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا في منخري الملك، فمكثت في منخري الملك أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، عَذَّبَهُ اللَّهُ بِهَا، فَكَانَ يَضْرِبُ برأسه بالمرازب في هذه المدة، حتى أهلكه الله بها.

[سورة البقرة (2) : آية 259]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَلِهَذَا عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَارِّ مَنْ هُوَ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عِصَامِ بْنِ رَوَّادٍ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ

اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 526
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست