responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 26
الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ: 199- 200] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 96- 97] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ: 34- 36] فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ رابعة في معناها وهو أن الله تعالى يَأْمُرُ بِمُصَانَعَةِ الْعَدُوِّ الْإِنْسِيِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ عَنْهُ طَبْعُهُ الطَّيِّبُ الْأَصْلِ إِلَى الْمُوَادَّةِ وَالْمُصَافَاةِ، وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ الشَّيْطَانِيِّ لَا مَحَالَةَ إِذْ لَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا إِحْسَانًا وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَ هَلَاكِ ابْنِ آدَمَ لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ
[الأعراف: 27] وقال تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فَاطِرٍ: 6] وَقَالَ: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ: 50] وَقَدْ أَقْسَمَ للوالد آدم عليه السلام أنه له لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَكَذَبَ فَكَيْفَ مُعَامَلَتُهُ لَنَا وَقَدْ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82- 83] وَقَالَ تَعَالَى:
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النَّحْلِ: 98- 100] .
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ: نَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلِدَفْعِ الْإِعْجَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا [1] وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبَارَةَ الْهُذَلِيُّ الْمَغْرِبِيُّ في كتابه «الْكَامِلِ» [2] وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَهُوَ غريب. ونقله مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ الظَّاهِرِيِّ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الْقَارِئَ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَحَكَى قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ الِاسْتِعَاذَةُ أَوَّلًا وآخرا جمعا بين الدليلين، نقله الرازي. والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس فيها وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْلِ: 98] أَيْ إِذَا أردت القراءة كقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ

[1] هو عبد الرحمن بن قلوقا، أو أقلوقا، الكوفي. من الرواة. انظر طبقات القراء لابن الجزري 1/ 376.
[2] هو «الكامل في القراآت الخمسين» لأبي القاسم يوسف بن علي بن جبارة المتوفى سنة 465 هـ (كشف الظنون 2/ 1381) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 26
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست