responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 251
الْعِلْمَ لِذَاتِهِ شَرِيفٌ، وَأَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزُّمَرِ: 9] وَلِأَنَّ السِّحْرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ يُعَلَّمُ لِمَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا وَاجِبٌ، وَمَا يَتَوَقَّفُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ وَاجِبًا، وَمَا يَكُونُ واجبا كيف يَكُونُ حَرَامًا وَقَبِيحًا؟ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ عَقْلًا، فَمُخَالَفُوهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يَمْنَعُونَ هَذَا، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبِيحٍ شَرْعًا، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَبْشِيعٌ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ، وَفِي السُّنَنِ «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً وَنَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ» وَقَوْلُهُ: وَلَا مَحْظُورَ، اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ، كَيْفَ لَا يَكُونُ مَحْظُورًا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَاتِّفَاقُ الْمُحَقِّقِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قد نص إلى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَأَيْنَ نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله في علم السحر في عموم قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَدْحِ الْعَالِمِينَ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَلِمَ قُلْتَ إِنَّ هَذَا مِنْهُ؟ ثُمَّ تُرَقِّيهِ إِلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْمُعْجِزِ إِلَّا بِهِ ضَعِيفٌ بَلْ فَاسِدٌ، لأن أعظم مُعْجِزَاتِ رَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حميد. ثم إن العلم بأنه معجزة لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ السِّحْرِ أَصْلًا، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتَهُمْ، كَانُوا يَعْلَمُونَ الْمُعْجِزَ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ السِّحْرَ وَلَا تعلموه ولا علموه، والله أعلم.
ثم ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ [1] ، أَنَّ أَنْوَاعَ السحر ثمانية [الأول] سحر الكذابين وَالْكُشْدَانِيِّينَ [2] ، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ، وَهِيَ السَّيَّارَةُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبِّرَةُ الْعَالَمِ، وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ الله إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبطلا لمقالتهم وردا لِمَذْهَبِهِمْ، وَقَدِ اسْتَقْصَى فِي (كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ، في مخاطبة الشمس والنجوم) المنسوب إليه، كما ذكرها الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرُهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ تَابَ منه، وقيل بل صَنَّفَهُ عَلَى وَجْهِ إِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ، وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهِ إِلَّا أنه ذكر فيه طريقهم فِي مُخَاطَبَةِ كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وكيفية ما يفعلون وما يلبسونه وما يتمسكون بِهِ.
قَالَ: [وَالنَّوْعُ الثَّانِي] سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نَحْوَهُ [3] ، قَالَ: وَكَمَا أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ على نهي المرعوف عن

[1] التفسير الكبير 3/ 187- 193.
[2] في تفسير الرازي: «الكلدانيين والكسدانيين» .
[3] عبارة الرازي: «أن الجذع الذي يتمكن الإنسان من المشي عليه، لو كان موضوعا على الأرض، لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته. وما ذاك إلا أن تخيّل السقوط متى قوي أوجبه» .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 251
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست